التغير الثقـــافي يولّـــد تلاقـــح القامــات المثقفة في المنــابر

العدد: 9449

الخميس :17-10-2019


مفهوم التغير الثقافي: هو عبارة عن التحول الذي يتناول كل التغيرات التي تحدث في أي فرع من فروع الثقافة، بما في ذلك الفنون والعلوم والفلسفة والتكنيك، كما يشمل صور وقوانين التغير الاجتماعي نفسه. ولا يمكن أن نتجاهل ما طرأ من تغير ثقافي بعد تسع سنوات من الحرب. التقينا مع د. زكوان العبدو من قسم اللغة العربية ليحدثنا عن موضوع التغير الثقافي وآثاره السلبية والإيجابية. بدأ قائلاً:

لا يخفى على ذي عقلٍ أن ما تتعرضُ له سورية من إرهابٍ، إنما هو مؤامرةٌ محكمةٌ ضدها من قوى الإمبرياليةِ وأعوانِها، وما ذاك إلا لأنها سوريةُ الشامخةُ في محورِ المقاومةِ المناهضِ لمشاريعِ الهيمنةِ الاستعماريةِ وأطماعِها في المنطقة. وعليه، فإن الصراع الأساس الذي تشهده المنطقة يتمثل في محاولات القوى الاستعمارية فرضَ ترسيخ التبعية، والتخلف، والتجزئة في المنطقة العربية من جهة، وزرع المشروع الصهيوني للمساعدة على تكريس هذه الأهداف من جهةٍ أخرى، فاندمجت ثقافةُ الصهيونية في صلب ثقافةِ الإمبريالية بحكم وحدةِ الغايات الاستراتيجية، ووحدةِ المنطلقات الفكرية.
ولابد هنا من تفكيك، وهدمِ فكر المستعمر الغربي الغاشم، والذهابِ إلى التنوير، والوعي بمدى أهمية التمسك بالهوية، ورفض الخضوع للغرب، ومحاولاته تهميشْ الفكر الشرقي، وزرعْ الكيان الصهيوني العنصري في عمق الأمة العربية، فالإمبريالية تصنع المؤسسات الإيديولوجية، أما الثقافة فهي من صنع الشعوب، وهي شرط ٌحضاريٌّ لكينونتها، واستمرار وجودها، لتأتي المقاومة نهجاً بديلاً في إعادة التصور على تحطيم الحواجز القائمة بين الثقافات.
إن ثقافة المقاومة متجذرةٌ في مجتمعنا، وهي قضيةٌ وجوديةٌ ترتبط بالإنسان المقاوم، وبمدى معرفته الواعية للذات، والتحديات التي تواجهه، وامتلاكه رؤيةْ تتناسب مع أهداف هذه المقاومة، واليقين بجدواها، ويحكمها نظامٌ قيميٌّ أخلاقيٌّ، إنساني.
وقد أسهمت في تعزيز الوعي المجتمعي، وإيقاظ الحس الوطني، والديني لرفض الاستعمار، ومقاومته، واستخدامِ الثقافةِ حقلاً معرفياً، وإنتاجياً من أجل خدمة القضية. وإذا كان عنوان مشروع التطبيع الثقافي هو التفكيكُ الثقافي لوحدة الأمة، وتدميرُ مقومات تماسكِها، فإن العنوانَ المضادَّ هو ثقافةُ الوحدة. والتنوعُ الثقافيُّ العربيُّ يجب أن يتحول إلى مصدر إثراءٍ لثقافةِ الوحدة، ويكرس مفهومَ قبول الآخر داخلَ المجتمعِ الواحد. وهكذا، فقد جاءت الحرب الشعواء على سورية لتعزز دور المثقف الوطني في اضطلاعه بمسؤولياته تجاه وطنه، فلم يكن التغيير في الخط الثقافي انحرافاً عن مساره، إنما كثَّف فعالية هذا الخط وفتح قنوات عديدة تستثمر التجربة الواقعية في خدمة التنوير، وإيصال صوت الحق إلى العالم كله، ففي المسرح، والدراما، والسينما، والفن التشكيلي، والموسيقا… زاد الاهتمام بالتعبير عن القضايا الوطنية، ورصد واقع الحرب، وانصبت تجارب عديدة مهمة في مواجهة التضليل الإعلامي، وصورت همجية الحرب على الشعب السوري، ورسخت القيم في نفوس أبنائه، كذلك الأمر في الصحف والمجلات التي انبرت تحتضن المثقفين، وتسهم في نشر مقالاتهم التنويرية، إلى جانب هذا تلاقحت القامات المثقفة في المنابر الثقافية، حتى وجدنا محاضرات وندوات شارك فيها مثقفون تعرضوا للتهجير القسري من مناطقهم بسبب العصابات الإرهابية، كذلك الأمر بالنسبة إلى الأدب، إذ تصدرت رواية الحرب المشهد الروائي، وفي الشعر والقصة أيضاً كان التوجه إلى الموضوعات الوطنية من مثل تصوير فجائع الإرهاب، ووحشية مرتزقيه، وتكريس قيم المقاومة، وتمجيد بطولات الجيش العربي السوري، ووحدة الشعب مع القيادة والجيش، وروح التضحية، والبذل، وتعظيم الشهداء والشهادة…، فبرز النفس الحماسي البطولي بأعلى نبراته، وأصدق مشاعره. إذاً، لم تتغير البوصلة النضالية، إنما تواشجت الهمم، وسخرت العقول لدحض الفكر الظلامي، الذي لا مكان له في سورية الشمس التي تضيء الإنسانية بالحياة.

نور محمد حاتم

تصفح المزيد..
آخر الأخبار