الثراء الماديّ والغـِنى الحقيقي

العـــــدد 9447

الثلاثاء 15 تشرين الأول 2019

 

كثيرون جدّاً في هذه الحياة يتطلّعون إلى أنْ يكونوا أثرياء وهذا طبيعيٌّ وحقٌّ مشروع وطموح لكلّ فرد وله الحقّ أن يسعى إلى تحقيق حلمه أو تطلّعه فهو بذا يعتقد أنّه قد حقّق سعادته التي سيعيشها أبد الحياة ومداها ولكن هل سأل سائلٌ نفسَه أيّة حياة هي تلك التي يسعى إليها لتكون عامرة بالسّعادة ؟ وهل سأل نفسَه كيف له أنْ يكون سعيداً ؟ أو أنْ يبحث عن علاقة الثراء بالسّعادة ؟ لم تكن السّعادة في يوم من الأيّام مقترنة بالثراء الماديّ وتحصيل المال, وإن اعترض البعض على ذلك فَهُمْ على يقين بأنّه باستطاعة الإنسان أنْ يكون سعيداً بعيداً عن الثراء بل إنّ السّعادة كامنةٌ في الغنى وليس الثراء, ولا بدّ أنّ هذا الذي يقرن السعادة بالثراء المادي إنّما ينطلق من حاجاته المادّية الكثيرة والمتعدّدة بل المتجدّدة منها, وإدراكه أنّ تلبية هذه الحاجات إنّما يجعله سعيداً, في الحقيقة إنّ تلبية حاجات المرء وقضاء تلك الحاجات يوفّر له الاستقرار ويشعره ببعض الأمان النّفسيّ وليس كلّه لأنّ الأمر يتعدّى الشّعور اللحظي القائم على التلبية الآنيّة الفوريّة, فلا يجوز لأحد أنْ يبتعد كلّ البُعد عن الحقيقة المتجلّية في أنّ السّعادة أمرٌ معنويٌّ بامتياز وإنْ كان (ولا ننكر ذلك) في بعض لحظاته يحتاج أموراً مادية, إذ من الصّعب أنْ يتخلّى المرء عن معناه الحقيقيّ الأبديّ والذي ما انفكّ الإنسان البحث عنه والسّعي إليه ليدركَ ويعيش ماديّته الزائلة الفانية التي تتلخّص في فكرة العدم والفناء الماديين حيث الموت, وأمّا أنْ يكون المرء غنيّاً في الحقيقة فهذا هو عين الحقيقة وهو السّعادة بذاتها, إذ إنّ الإنسان ما كان في يوم من الأيّام ولن يكون إلاّ صورة الخالق البهيّة على الأرض التي جعلها له مسكناً مؤقتاً, وأعطاه بعضاً من الصّفات والسّلوكيات التي تجعله غنيّاً حقيقياً يعيش السّعادة بمعناها الذي أراده خالقه له عندما هيّأ له الأسباب الموجبة لذلك, ولعلّ أهمّ سبب (حسب تقديري) هو الرّضا, وأنْ يعرف الإنسان أنّه غنيّ بما امتلك مِنْ أسبابٍ وأهدافٍ وبما وُعِدَ, ولكنْ كم مِنَ الأشخاص أدركوا الفرق الحقيقيّ بين الثراء الماديّ والغنى الحقيقيّ ؟!

نعيم علي ميّا

تصفح المزيد..
آخر الأخبار