العدد: 9444
الخميس:10-10-2019
مشوار الأغنية السورية وحكايتها عظيمة سجلت على صفحات تاريخ الفن أعذب الأصوات، وخلدت أسماء كبيرة أغنت الفن العربي، بكلمات وألحان، وأسماء كبيرة حتى غدت مدارس بحد ذاتها، منهم صباح فخري وميادة الحناوي وغيرهم كثر.
والآن وحالة التخبط التي تعيشها الأغنية العربية بشكل عام والأغنية السورية من ضمنها، ولدت أسماء لفنانين سوريين يبحثون عن هوية فنية يخطون من خلالها درب الفن.
فبعض الأغاني راحت تنبش بالتراث واتكأ عليها بعض المنتجين والشعراء والملحنين السوريين، لكن هؤلاء لم يخرجوا عن إطار التقليد في محاولات لإعادة لون موسيقي تراثي محدود في الأغنية الشعبية التي تعتمد على الإيقاع الشعبي الأقرب إلى الفلكلور، بينما اتجه آخرون إلى المدرسة التقليدية ولم يقدموا جديداً سوى حفلات الموشحات والقدود وذلك ربما كان بسبب قلة الكلمات الجميلة التي تحدث وقعاً جميلاً لدى الجمهور الفني، ناهيك عن الألحان التي تأخذ جملة موسيقية من هناك أو لحناً كاملاً من هناك، وهذا إذا دل على شيء فإنما يدل على شح واضح يؤثر على مسار الأغنية أيما تأثير.
وفي المقابل هناك أصوات لاقت انتشاراً واسعاً في البرامج العربية الكبيرة الخاصة بالغناء أو من خلال المهرجات، وفي محاولة لمجموعة من الشباب المتطوعين ليكون إضافة جديدة إلى الفعاليات الثقافية والموسيقية التي عادت لتغمر أيام السوريين المعروفين بذائقتهم الفنية العالية، وبأغانٍ وأصوات وعازفين سوريين نفتخر بإبداعهم. والبرامج الفنية، وهنا التسويق الفني الذي لا تولي أغنيتنا السورية الأهمية له يلعب الدور الأبرز في تراجع انتشارها، بسبب التكلفة المادية الكبيرة له، والذي حل التسويق الالكتروني كبديل عنه والذي روج للعديد من الفرق والأسماء التي لاقت حضوراً على المستوى المحلي والعربي وتألقت هذه الأسماء في أمسيات فنية محلية وعربية.
وهذه التجارب كانت ذات جدوى وقبول قدم كل فنان سوري من خلالها أغانيه الخاصة التي بذل مجهوداً كبيراً عليها وأحياناً أنتجها على حسابه الخاص، فكانت الأغنيات جديدة بكلام ولحن وتوزيع جديد سوري محاولين الحفاظ على مستوى فني معين لتكون الأغنية السورية في أعلى مستوى لها.
لكن الذي نفتقده دائماً هو الأغنية السورية المكتوبة باللهجة السورية الخالصة التي لا يمكن لمستمعها إلا أن يتلقى رقتها وعذب مفرداتها، لكن هذا التوجه لم ينجح حتى الآن على الرغم من المحاولات الجديدة القديمة التي عمل عليها عدد من الشباب السوريين منذ رغبتهم بالتعبير عن أصواتهم بلهجتهم بدل الاتجاه إلى الكتابة بلغة السوق، وهناك بعض الظواهر التي شذت عن ذلك وصنعت مجداً غنائياً بلهجة مدنها وحاكت بها أذواق المستمعين.
قيل: في سورية القديمة، من أوغاريت، وجدت أول نوتة موسيقية في العالم والموسيقى التقليدية السورية الحديثة، هي مزيج من موسيقى شرقية مختلفة أخذت من مختلف الحضارات المتعاقبة، وتعتبر أدوات التخت الشرقي، هي الأدوات الرئيسية للموسيقى المحلية، وتدل اللقى الأثرية والمعطيات العلمية أن سورية محطة بارزة في التطور الموسيقي وانتشاره عالمياً، فعلى الأرض السورية اكتشف في معبد عشتار في مملكة ماري الواقعة جنوب مدينة دير الزور أقدم مشهد لفرقة موسيقية، وذكر أرشيف المملكة أنها عرفت الآلات الموسيقية والوترية والإيقاعية والهوائية وأهمها (القيثارة)، ليكون لقبُ (أورنينا) عازفة معبد عشتار، رمز الشعر الغنائي والموسيقا وملهمه للعالم بأسره قبل نحو 5500 سنة من الآن.
وإذا ما انطلقنا من هذا التاريخ العريق واتجهنا نحو المستوى الذي وصلت إليه الأغنية الشبابية المعاصرة والتي تعد صورة من صور الفن المستحدث كغيره من الفنون مما جعلها اليوم تكتسح كل الأماكن انطلاقاً من المهرجانات الكبرى إلى السيارات والمتنزهات وحتى حفلات الأعراس وفي كل المناطق لتصبح الزاد الثقافي للشباب والمراهقين وسبب نجاحها هو تميزها بإيقاع سريع وصاخب ومتنوع وهذا من تأثير الحياة المعاصرة حيث أصبحت الأغنية الشبابية المعاصرة تتماشى مع لغة عصرية سخيفة لا تتصل بالفن بأي صلة، فبقدر حفاظنا على تاريخنا الفني كلمة ولحناً وصوتاً بقدر ما نصل إلى مستوى فني يليق بأغنيتنا السورية التي كانت وما زالت تسطّر لنفسها مكانة مرموقة في عالمنا العربي.
رواد حسن