الأديــــب العالمـــــي

العدد: 9437

الثلاثاء:1-10-2019

 

الأديب بطبعه يحلم أن تتجاوز شهرته كل الحدود، ينطلق من بيئته المحلية ليغدو معروفاً في العالم كله دون أن يفقد خصوصيته الوطنية والقومية، لأن غربة الذات تؤدي إلى تشظي الانتماء، والنتيجة جفاف النسغ وموت الجذور.
العالمية لا تعني الحياة دون قيود اجتماعية أو أدبية، والأديب العالمي هو صوت الإنسان النابع من الأمل والحياة يترك بصمات فكره على عقول الأجيال، عندما كتب الشاعر الفرنسي الكبير بودلير قصيدة سماء غائمة، والتي تعد من أجمل قصائد ديوانه الخالد (أزهار الشر) كان يرتعش من البرد والقهر مستخدماً أسوأ أنواع الحبر في أحد فنادق باريس الرخيصة، والأمر نفسه حدث مع رامبو الذي كتب أروع قصائده أثناء تشرده في شوارع باريس وأزقتها الخلفية، وما حدث مع هذين الشاعرين ينسحب على العديد من مبدعي العالم الكبار الذين كانوا يخطّون روائعهم بحبر رديء في ظل ظروف شخصية سيئة للغاية، لكن التاريخ سجل أعمالهم فيما بعد بحروف من ذهب.
الوطن أجمل أغاني الإنسان وأعذبها، والإنسان لن يكون معروفاً في أي مكان في العالم ما لم يكن معروفاً في بيئته، ومن لا يحب وطنه لا أحد يحترمه، ولن يكون كبيراً في أي مكان من العالم ما لم يكن كبيراً في وطنه، ولا أحد يصل إلى العالمية إلا إذا كانت جذوره ضاربة في أعماق أرضه لتزهر غصونه وتمتد إلى أرجاء فسيحة في الكون، هناك أدباء يلهثون خلف الجوائز العالمية ولا ينالونها، بينما آخرون يحترمون أنفسهم وأوطانهم تلهث الجائزة خلفهم ولا يقبلونها…
بعد فوزه بجائزة نوبل للآداب عام 1982 عن روايته (مئة عام من العزلة) صرح الكاتب الكولومبي الشهير الراحل غابرييل غارسيا ماركيز الذي اختار المكسيك منفى اختيارياً له منذ عام 1965: (بلادي أجمل من كل بلد عشت فيه، حقاً إنني أفتقدها)، والفيلسوف الوجودي الفرنسي جان بول سارتر الذي اصطف إلى جانب المعذبين في الأرض قدم له الرئيس الفرنسي الجنرال شارل ديغول وسام فرنسا من الدرجة الأولى عن كتابه (عارنا في الجزائر) لكنه رفض الوسام كي يغسل بعضاً من عار السياسة في بلاده، وحين فاز سارتر بجائزة نوبل للآداب عام 1965 تبرع بالمكافأة المالية لأطفال شهداء الجزائر والأرامل واليتامى من أجل سمعة وطنه فرنسا، فما قيمة الأدب بدون قضية وخاصة بالنسبة للشعب العربي الفلسطيني والعرب عموماً؟
العالمية تبدأ من البيت والأهل والقرية والمدينة والوطن ولولاهم لا يمكن الوصول إلى العالمية التي عدّها الأديب الراحل رسول حمزاتوف تبدأ من عتبة بيته، وقد كتب خلال رحلة حياته الطويلة التي تجاوزت عتبة الثمانين أكثر من مئة كتاب بلغته القومية (الآفارية) في الشعر والنثر والمقالة وبرز شاعراً قومياً داغستانياً ثم حلق على مدار العالمية وظل محافظاً على نكهته القومية المطعمة بروح إنسانية وفنية عالية، وحمزاتوف لم يعشق أرضاً كما عشق أرض بلاده الصغيرة، وفي 9/7/2013 قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وهو يفتتح النصب التذكاري له في بوليفار ياؤزسكي بمناسبة الذكرى التسعين لمولده:( إن الحظ حالفني اليوم في التعرف على هذا الشاعر الكبير وأتيحت لي الفرصة كي أنهل من هذا النبع الطاهر لأفكاره وقيمه الأخلاقية).

نعمان إبراهيم حميشة

تصفح المزيد..
آخر الأخبار