الوحدة – ريم ديب
تُعدّ صناعة الفخار من أقدم الحرف التي عرفتها سوريا منذ آلاف السنين، إذ استخدمت آنذاك لحفظ الماء والطعام، قبل أن تتحوّل إلى فنّ زخرفي يعكس هويّة المكان وتراثه الثقافي.
هذه المصنوعات الفخارية المنتشرة بأشكالها المتعددة وزخارفها المتناسقة وألوانها اللافتة بالقرب من منطقة باب شرقي تبدو كتحفٍ فنيّة نابضة بروح التراث.
وخلف هذه المعروضات، يمتدّ المعمل الذي تتحوّل فيه كتل الطين بين يدي العمال المهرة، المستندين إلى خبرات موروثة وذوق رفيع، ليصنعوا قطعاً تتباهى باقتنائها الفنادق والمطاعم والبيوت الراقية.
أوضح شيخ كار مهنة الفخار، الحرفي”نبيل سيف الدين”، أنّ صناعة الفخار كانت تعتمد سابقاً على جهد يدوي كبير في تحضير المواد الخام وتذويبها وتجهيزها، لكنّ الورشات اليوم أصبحت تعتمد بشكل أساسي على الآلات الكهربائية في العجن والطحن، الأمر الذي ساهم في زيادة الإنتاج وتقليل نسبة التلف.
كما بيّن أنّ المواد المستخدمة طبيعية بالكامل، حيث يُستخرج التراب من باطن الأرض أو من أطراف الجبال، ويُخلط مع الرمل البركاني المعروف بـ “الفراخ” وفق نسب دقيقة، ثم يُعجن بالماء ويُترك في مكان معتم لمدة يومين قبل إدخاله إلى الأفران.
وأشار سيف الدين إلى أن الورشة تنتج اليوم مجموعة متنوعة من الأدوات المنزلية والفنية، مثل الأباريق والكؤوس والطناجر الفخارية والمجسّمات والزخارف الجدارية. كما تشهد هذه المنتجات إقبالاً متزايداً في الأسواق المحلية والخارجية، ولا سيما في لبنان والكويت.
ولفت أيضاً، إلى أنّ توصيات منظمة الصحة العالمية باستخدام الأواني الفخارية في إعداد الطعام لخلوّها من المواد الكيميائية المسرطنة شجّعت عدداً من المطاعم على اعتمادها كخيار صحي بديل.
وطالب سيف الدّين بتقديم دعم حكومي لهذه الحرفة عبر تنظيم معارض دورية لتسويق المنتجات، وتوفير حاضنات حرفية تخفف الأعباء الضريبية وتضمن استدامة هذه المهنة التراثية.
وأكّد شيخ الكار أنّ الحرفيين السوريين يمتلكون القدرة على المنافسة إقليمياً ودولياً في حال توفر الدعم اللازم، فالجودة السورية ما زالت تحظى بثقة الأسواق رغم الظروف الصعبة التي مرت بها البلاد.
ونوّه سيف الدين إلى أنّ الممارسة الطويلة تُكسب الحرفي القدرة على ضبط المقاييس والسماكة بشكل تلقائي، ما يجعل كل قطعة متوازنة من حيث الشكل والجودة.

