العدد: 9425
الأحد: 15-9-2019
ضمن صفحات مجلة (الآداب العالمية) الصادرة عن اتحاد الكتّاب العرب في سورية قدم الأستاذ منير الرفاعي (ترجمةً وإعداداً) دراسة عن الترجمة تتعلق بالإحصاءات والطرائف والأخطاء الفادحة التي تحصل ضمن هذا المجال مشيراً في البداية إلى واقع الترجمة في العالم العربي موضحاً أن مشكلتنا الثقافية ليست في النوع فحسب وإنما في الكمّ أيضاً .فعلى الرغم من أن لغتنا العربية الجميلة تأتي في المرتبة الرابعة من حيث عدد الناطقين بها وذلك بعد الإنكليزية والصينية بجميع لهجاتها والهندية (وتشمل الأوردو) إلا أن الإحصائيات والدراسات تشير إلى تواضع حجم الترجمة في عالمنا العربي بالمقارنة مع البلدان الأخرى موثقاً ذلك بمؤشرات وتقارير حول ذلك وضمن هذا السياق أتى الأستاذ منير الرفاعي على ذكر الأخطاء الفادحة والطرائف التي تقع في مجال الترجمة موضحاً أن موقع بي بي سي للثقافة ألقى نظرة على أخطاءٍ فادحةٍ في الترجمة وقعت في الماضي ومن بينها اكتشاف عالم فضاء في القرن التاسع عشر أدلة على وجود حياة على سطح المريخ حيث قال ضمن فقرة الحياة على سطح المريخ: عندما شرع عالم الفضاء الإيطالي جيوفاني شياباريللي في رسم خارطة كوكب المريخ عام 1877 م، أثار عن غير قصد حالة كاملة من الخيال العلمي فقد قال العالم عن المناطق المعتمة والمضاءة على سطح المريخ إنها (بحار) و(قارات) ووصف مناطق بينهما بأنها قنوات بالإيطالية ولسوء الحظ ترجم نظراؤه تك الكلمة على أنها (قنوات مائية كالتي يشقها البشر على سطح الأرض) وأطلقوا العنان لخيالهم وتصوروا أن ثمة حياة كانت موجودة بالفعل على سطح الكوكب وأن مهندسين أذكياء هم من شقوا هذه القنوات واستناداً إلى هذه الترجمة الخاطئة عمد عالم الفضاء الأمريكي (بيرسيفال لويل) الذي اقتنع أن هذه القنوات حقيقية إلى رسم المئات منها بين عامي 1894 و 1895 ونشر على مدى عشرين عاماً ثلاثة كتب عن كوكب المريخ تضمنت رسوماً توضيحية تظهر ما اعتقد أنه منشآت بناها مهندسون بارعون لنقل الماء ونشر أحد الكتّاب المتأثرين بنظريات (لويل) كتاباً بعنوان: سكان المريخ الأذكياء، وصدرت كتب وروايات عديدة عن ذلك، وتابع الأستاذ الرفاعي قائلاً: ويتفق علماء الفضاء على أنه لا يوجد أي قنوات تحمل الماء على سطح المريخ وأنها فقط صنيعة اللغة والخيال وحسب ما تقول وكالة ناسا الفضائية: إن شبكة الخطوط المتقاطعة التي تغطي سطح المريخ ناتجة عن رغبة بشرية محضة في رؤية أشكال محددة حتى لو لم تكن هذه الأشكال موجودة فعلاً .فعندما ننظر إلى مجموعة باهتة من بين البقع الداكنة فإن العين تعمل على الربط بينها بخطوط مستقيمة… وقد أوضح السيد الرفاعي ضمن فقرة التلاعب باختلاف اللغة أن الترجمات أثناء المفاوضات غالباً ما تكون مثيرة للجدل حيث قال ضمن هذا السياق: خلال المفاوضات التي جرت بين باريس وواشنطن عام 1830 أخطأت سكرتيرة البيت الأبيض في ترجمة كلمة (demander) بشكل يناسب سياقها وفسرتها على أنها (يطلب) وليس (يسأل) وهذا ما أزعج الرئيس الأمريكي وبدأ يتعامل مع الرسالة على أنها تحتوي قائمة من المطالب تمليها فرنسا على الولايات المتحدة لكن السكرتيرة سرعان ما صححت الخطأ وتم استئناف المفاوضات.
أما كتاب (كليلة ودمنة) فقد أوضح الأستاذ الرفاعي أن ابن المقفع ترجم كتاب كليلة ودمنة من الفارسية الفهلوية إلى العربية والكتاب في أصله كتاب هندي ولقد ضاعت الترجمة الفارسية التي ترجم عنها ابن المقفع كتاب كليلة ودمنة ولكي تستعيده الفارسية أعادت ترجمة الترجمة العربية إلى الفارسية في القرن السادس للهجرة على يد أبي المعالي نصر الله وهكذا تكون الترجمة الفارسية للكتاب هي ترجمةُ ترجمةِ الترجمة وعليه فإن لكليلة ودمنة تاريخيان.
وختم الأستاذ الرفاعي حديثه بالقول: أحياناً تكون المشكلة في سوء الفهم وليست في سوء الترجمة فخلال زيارة ريتشارد نيكسون إلى الصين عام 1972 قال رئيس الوزراء الصيني آنذاك، زهو إنالي، إن الوقت (ما زال مبكراً جداً للقول) في سياق تقييمه لآثار الثورة الفرنسية وقد حظي بالثناء على هذه الكلمات التي نظر إليها الصينيون على أنها تعكس الفلسفة الصينية مع أنه في الواقع كان يشير إلى أحداث عام 1968 في فرنسا وطبقاً لما يقوله الدبلوماسي الأمريكي تشارلز فريمان المترجم الخاص للرئيس نيكسون خلال زيارته تلك فإن الملاحظة التي أسيء فهمها كانت واحدة من المرات التي يُساء فيها الفهم بطريقة تلائم القائل ولا يجري تصحيحها إلى الأبد.
ندى كمال سلوم