العدد: 9424
الخميس :12-9-2019
هي الأفراح في قلوبنا يطوّقنا صداها ويملأ الحياة شذاها ولكن لا مكان للفرح بعيداً عن الحزن والأسى فما أقساه أن يحيا المرء حياة مليئة بالحزن والأسى, ما إنْ ينتهي ويولّي حتى يأتي ويعود مرّة أخرى ليعلن استقراره وإقامته هنا في حياتنا التي اعتادته وألفته, فها هي الرمال قد اشتاقت الماء وألهبها العطش وكأنما تقول للهجير أشقيتني ونار الجفاف تستعر في جوفي وما عدتُ قادرة على أن أتحوّل أو أتبدّل, فها هي أقدام الماشين التي جعلتني مراحاً ومطرحاً للسير كما جعلني العشّاق سريراً لأحلامهم والأطفال رسماً لإبداعهم, واليوم لا هذا ولا ذاك وقد جعلني الظمأ وحيدة بلا أنيس.
ما أقساها تلك الخطوات التي اعتادت الدروب مساراً وكأنّها تحفر على رصيف الزمن وتنقش في الذاكرة حكايات المارّين وقد أصبحت خطواتهم اليوم رفيقة الريح بعد أن شلحتها كأوراق الخريف التي لا الطريق بحاملها ولا الرصيف بمتسع لها وما أقساه أنّ الخطوة ما عادت قادرة على نقل القدم الأخرى بعد أن بُترتْ في الحرب فأصبحت الخطوة ناقصة كما هي الحياة قد أصبحت بلا خطوات على الدروب التائهة، وقد افتقدنا تلك المواويل التي تهلّ في قلوبنا فأضحت حياتنا ذكرى مريرة على الأيام مشلوحة على الطرقات التي هربت من أحلامنا لأنها لم تعد قادرة على أن ترسمها أو تحملها ولو إلى حين أو بعض حين وكأن حال لسانها يقول قد تحوطبت عظامنا وأصبحت يابسة ستأكلها نار الحنين والشوق والذكرى التي تلهب الأيام فتلتهمها وتسرق ابتسامتنا من على شفاهنا التي تشققت وتيبسّت بعد أن هجرها الكلام فأصبحت جرداء قاحلة فلا كلام لحبيب ولا ابتسامة لطلّة بعيد من بعيد فلا تلويحة بالشفاه ولا ارتسام للأحلام ولا شيء سوى اليباس.
ما أصعب أن يحيا المرء بلا درب يمشي عليه ويرمي كلماته ويبعثرها عليه وما أصعب أن يصدأ فم المرء عن الكلام وغزل الأحلام وكم هو قاسٍ على المرء أن تتشقق يداه بعد أن منح الحياة لغيره وبعد أن زرع نفسه في تربة الحياة وانتظر أن يحصد زرعه في غيره لكنّه ما سمع غير أجراس الأسى.
نعيم علي ميّا