العدد: 9417
الثلاثاء :3-9-2019
بتجربته الفنّية المتفرّدة وعلاقاته اللونية المتميزة ينقلنا الفنان التشكيلي علي مقوّص إلى عوالم الطبيعة والخيال في معرضه المقام حالياً في غاليري الحكمية باللاذقية. يملأ فضاء اللوحة بعبق الذكريات ورحيق الرّيف السوريّ الأخّاذ، مختزلاً خلاصة تجربته في وجوهٍ غابت عنها ملامحها، وضاعت تعابيرها وتاهت تفاصيلها، لكنك ما إن تنعم النظر فيها حتى تسمع أصوات همساتها وأنينها وصراخها… في توليفةٍ تصويرية تأخذك إلى عالم الأحلام والخيال، محلّقاً فوق أساطير الواقع في تجربةٍ لونية قلّ نظيرها. (الوحدة) حضرت افتتاح المعرض والتقت التشكيلي علي مقوّص، الذي أكد أنّ معرضه الذي يأتي بعد غياب نحو عشرين عاماً عن المعارض الفردية بمثابة أول معرض حقيقي له في اللاذقية، بوجود صالة عرض كالحكمية، وما تقدمه من اهتمام واحترام كبيرين للفنانين. وقال: إن معرضه يضمّ حوالي ثلاثين لوحةً، تنوعت خاماتها بين الزيتي والإكرليك، بقياسات مختلفة. وعن مواضيع لوحاته أشار إلى أن لها علاقة بخصوصية التوليف بين الإنسان والمكان، أي جغرافيا إنسانية، وتمثل تهيؤات غير واقعية وانطباعات تتأرجح بين الرومانسية والانطباعية والتجريد، لكن الخيط الذي يربط التجارب مع بعضها هو العمق الوجداني للعمل، وحميمية العلاقة بين الإنسان والجغرافيا المكانية. وتابع: إن معظم اللوحات لها علاقة بالطقوس الريفية الملحمية، لا زمان أو مكان محددين لها، مفتوحة على العلاقة الكونية الحميمية الإنسانية التي تملي على الإنسان أسلوب وتقنية اللوحة، لأن العمق الوجداني للعمل يملي الحسّ الغرافيكي الذي يشكل المخزون العاطفي والوجداني للعمل. وعن مفردة الشجرة الموجودة في عدد من لوحاته قال: إنها غير عادية إنما أسطورية ملحمية لها علاقة بالإنسان الريفي ذاته، وطقوسه الريفية، وبالملحمة الشعبية، والفراغ الكوني والحسّ الوجودي للفنان… وعن غموض وجوه لوحاته أكد أن ليس المطلوب توضيح تعابيرها وتقاسيمها، فهي إيحاءات لشخوص تمثل مفردات تشكيلية تؤدي حضورها البصري والوجداني في اللوحة. أما ألوانه الترابية التي طغت على باقي الألوان، يرى التشكيلي علي مقوّص أن لها علاقة بطقوس عاطفية دافئة مؤثرة، من ذاكرة الماضي، في معادلة لونية متوالفة مع المكان. بدوره أبدى التشكيلي سموقان إعجابه بمعرض التشكيلي علي مقوّص وقال: إنه اسم فني كبير له حضوره التشكيلي وتجربته الفنية المتفردة والمتميزة، ونراه يأخذ لون الأرض والتراب في معظم لوحاته في دلالة متجانسة، كذلك الخط وتكوين اللوحة، ما يدخله إلى المشاهد بطريقة غير مباشرة، وهذه إيجابية تحسب له، لكن المعرض يطرح تساؤلات حول التشابه اللوني والحركي لمعظم اللوحات، ومقولة إن الفنان يرسم لوحةً واحدة في حياته تنطبق على تجربة الفنان علي مقوّص بكل تأكيد، وممكن أن تنطبق عليّ أنا أيضاً، وأشار إلى أن الفنان مقوّص وصل مع شجرة الحياة التي تناولها في لوحاته إلى دقّة هائلة في شخوصه والممارسات التي تجري تحتها من عادات وتقاليد في ريفنا السوري. من جهته رأى التشكيلي بسّام ناصر أن الفنان علي مقوّص أستاذ عريق غنيّ عن التعريف، تندرج لوحاته ضمن التعبيرية التي يعبّر من خلالها تعابير حسية جميلة جداً بوضع الحالات الإنسانية التي تبدو كما لو أنها في احتفالية تحت ظلّ شجرة، أو في الأعياد، أو مأدبة طعام… والكلّ يجتمع حولها بحركاتٍ إنسانية جميلة، كما يعطي لشخوصه حالة انطباعية لا تظهر الملامح صراحةً وبوضوح، حتى نكاد نقول إننا نقرأ أعمال الفنان بواسطة القلب أكثر من المشاهدة البصرية، كما إننا نحسّ بالعمل الفني والإنسانية العميقة جداً الموجود في كل لوحة ونترك الترجمة اللونية لنتداولها فيما بيننا لكن حسّياً لا عقلياً. أما التشكيلي إسماعيل توتونجي نوّه إلى التجربة المميزة والراقية لعلي مقوّص، له أسلوبه ومدرسته الخاصة، لوحاته تحمل شخوصها الخاصة وألوانها وأسلوبها المتفرّدين، تدل عليه دون الحاجة إلى قراءة اسمه، والملفت للنظر استمرارية المعارض للفنانين، سواء الرواد أو المبتدئين، والإقبال الشديد على هكذا معارض لاسيما في مدينة اللاذقية، ما يقدم فائدة للجمهور وللفنانين أنفسهم بما يمكّنهم من تطوير تجاربهم الخاصة والاستفادة من تجارب الآخرين. ومن الحضور التقينا السيدة مها قباني المتواجدة في أغلب المعارض التشكيلية، وأكدت أن الخلط اللوني المميز الذي اتبعه الفنان مقوّص نادراً ما يتم الخلط بينهم، كالترابية والبنفسجي أو الأزرق في تجربة جديدة ومميزة، ومعظم أعماله تمثل خليطاً بين المرأة الريفية والتراث الساحلي، في نقلة نوعية، وأشارت إلى أن المعرض مميز بأفكاره وخطوطه وألوانه، يقرأها كل منا حسب شعوره وحسّه العاطفي والوجداني.
ريم جبيلي