قصة واقعية من ظلام سجن صيدنايا ترويها الأديبة مرغريت جمل

الوحدة- ياسمين شعبان

الأدب مرآة الواقع، والأديب هو ذلك الشخص المبدع في تجسيد صور الحياة ومعاناة الناس، ونسجهما في قوالب أدبية تحاكي الواقع حتى يخيل لمن يقرأها أنها حدثت معه وأنه جزء منها، ،فكيف إذا كانت قصة حقيقية حصلت في أقبية سجن صيدنايا نقلتها لنا الأديبة مرغريت جمل بصورة  مؤثرة، بعد أن التقت صاحب التجربة شخصياً، وسمعت منه بعض فصول عذابها، حيث تعرض للاختفاء القسري، مما أتاح للأديبة جمل فرصة سرد تجربة إنسانية تعكس عمق المعاناة والكفاح في مواجهة الظلم والقهر.

تأتي هذه الرواية لتعبر عن صوت مسموع من داخل الظلام، تحكي عن فقدان الأمل، وما تبقى من ضوء في قلب الظلمات، تقول الأديبة جمل ساردة  مرارة تلك التجربة: في حفرة الموت لم يكن الصمت غياباً للصوت، بل وحشاً سايكوباتياً يردد تأوهات من سبقوني وينبش وجوههم المطمورة في الظلام، كنت ضحية جريمة كاملة، بلا ذنب بلا شهود، بلا نهاية. أتقوّس على نفسي كقنفذ بريّ مرتجف، عيناي معلقتان على باب حديدي صدئ ملطخ بدم متجمد وبقايا شعر وأظافر انخلعت في ليالي الرعب، كنت سأفقد عقلي قبل أن أذوب وحدي في فقاعة عفنة حتى ظهر هو !
“وفا” كان صامتاً، يتكور على نفسه في الزاوية المقابلة، يحدّق بي بقهر وقلة حيلة، لم أتقبله في البداية، لكن الأيام نسجت بيننا خيط ثقة رفيع بدّد شيئاًِ من العتمة الثقيلة.

ثلاث مائة وخمس وستون يوماً ونحن نتقاسم الرغيف اليابس وجرعة الماء القليلة، كان يستقبلني بعد كل رحلة تعذيب جثة غائبة عن الوعي، يعتني بجراحي الممزقة، كل حركة منه كانت نجاة،  بصيص حياة يتدلى في قاع الرعب، كل صمت منه كان رسالة: لستَ وحدك….

اشتريت خروجي من سجن صيدنايا بحزمة دولارات استمات أهلي في جمعها، لم أشتهِ أمنية سوى أن آخذه معي، لكن الأبواب أوصدت، وبقي هو هناك، عالقاً في كل شعور مرعب عرفناه سوياً.

بعد أكثر من عشر سنوات على النجاة، كل ندبة على جسدي تعيد إلي صورة “وفا”،في كل مرة أغمض عيني أراه في مخيلتي جسداً رمادياً صغيراً يلعق جراحي، وهو يتأملني بعينين سوداوين لامعتين ..
في أعمق حفرة للجحيم، وحده (وفا) الجرذ كان آخر ملامح للرحمة في عالم بلا إنسانية بلا قيم ..

وختمت جمل قصتها الواقعية حول مأساة السجين مؤكدة عن لسانه أن هذه التجربة القاسية جعلته أقوى وأكثر حكمة .

تصفح المزيد..
آخر الأخبار