في «أماســــــــــــــــــــي موســـــــــــــيقية» مع أحـــمد شــــــريف وحـــــفل من الزمــــــــن الجـــــميل
العدد: 9411
الأحد-25-8-2019
قد سبق إيقاع الأرض كل صوت، وترجم مع إنسانها وقعه وحبه وشغفه، ترانيم باحت بما لمْ تستطع الكلمة البوح به، فأبكت وأفرحت لتتمايل معها الأجساد في تناغم شفاف، إنها الموسيقى صوت صدى كل الصدى لجميع الكائنات، لكنها كانت للإنسان ترجمة حقيقية لروحه وتعبيراً حقيقياً لنبض حياته، لتظل الموسيقى عنواناً للرقي والازدهار، ولتصبغ أزمانها بهويات مختلفة، ونحن في الشرق كان للموسيقى سحرٌ وعطرٌ وشجن، ارتقت عندما ارتقى إنسانها لتحمل حقيبة موسيقية جميلة عاشقة للحياة حتى لُقِّبتْ بالزمن الجميل، وانكفأ جمالها في مدارات بعدنا نحن عنه بما شغلنا من أوجاع حياتية وعقلية نخرت في مجتمعاتنا في الفترات الماضية، فانحدر الحس والذوق الموسيقي وتصدرت سماءنا السمعي حالات لا ترقى للوجود البشري، لكنّ الحس الإنساني هنا بأصالته ما زال متمسكاً بجذوره الموسيقية الراقية، يعانقها حيناً وأحياناً لأنها صوت فجره الدائم، وسهر لياليه… من الأصالة المعهودة للذوق هنا على هذه الأرض، ما زال يحمل السوري نغمه الأبيّ، يغنيه ويصدح به عاشقاً، ويقيم لياليه الموسيقية بتواجد وحضور غصت به الصالة، من هذه الليالي (أماسي موسيقية) ففي اليوم الأول كان للطرب الأصيل العتيق من حلب حضور غنائي وفني غنيّ مع فرقة الديوان الحلبية بإشراف الفنان عبد القادر حداد، لتصدح الأصوات بعبق من الألحان لامست شغاف القلوب واقتحمتها، أما اليوم الثاني فكان استمراراً للنغم الشجي مع فرقة محمد دقنوش والفنان أحمد شريف وحضور جماهيري كثيف أعاد بها الفنان شريف الزمن إلى الوراء مع جمال الألحان والغناء في وصلة شرقية من أغانٍ لأسمهان وأم كلثوم وعبد الوهاب وسعاد محمد كما أنه صدح بجديد له وأغنية من تأليفه وألحانه، والتفاعل الجميل الذي أبداه الحضور إنما يدل على الحس والذوق الراقيين اللذين يعبران عنا دائماً، حول هذه الفعالية ونشاطاتها ومع القائمين عليها، كانت لنا مجموعة من الحوارات الجانبية نلاصق الروح أكثر …
الفنان حسين عباس نقيب الفنانين باللاذقية: المسرح القومي باللاذقية تابع لمديرية المسارح والموسيقا ونحن مقصرون في حق الموسيقى، أحببنا في هذه الأماسي أنْ نبقى على تواصل وتماس مع موسيقانا الأصيلة، والتعطش الذي نراه لسماع النغم الأصيل لأن الناس بعمومها قدْ أتخمتْ من ضجيج موجة من النتاجات الموسيقية التي لا ترقى إلى مستوانا الغنائي وتاريخنا وذوقنا الحسي والجمالي، فنحن ما نزال نتمسكْ بجمالية اللحن الشجي وما زلنا في شغف، حتى هذه الأجيال وكما هو ملاحظ من الحضور الكثيف للأجيال الشابة من جميع الأعمار، لذلك حرصنا أنْ تحمل هذه الليالي أصالتنا وذوقنا وحسنّنا الفنيّ والجمالي.
كان الحرص على التنوع في هذه الأماسي بأيامها الأربع، وتقديم مختلف الألوان الموسيقية، في الأمس كان حفل للقدود والطرب الحلبي، حيث قدمت فرقة الديوان الطربية من حلب عرضها الموسيقي الذي أمتع الجمهور وكان لافتاً من خلال التفاعل المميز معها واليوم حفل غنائي طربي أيضاً للفنان أحمد شريف الحاصل على جوائز عدة محلياً وعربياً، وغداً هناك الفرقة الموسيقية من دمشق والتي ستقدم معزوفات موسيقية مميزة، أما اليوم الرابع والختام فسيكون مع طربي له الطابع الشبابي من الأغاني الحديثة.
الفنان أحمد شريف، حاصل على إجازة في الآداب قسم اللغة الإنكليزية، عن حفله في هذه الأمسية قال:
في هذا الوقت الذي ينهض فيه بلدنا من جرح مؤلم ينهض بفنّه وفنانيه أيضاً، نحن من واجبنا أنْ نظلّ في الساحة نقدم ما نستطيع من الموسيقى، فالفنّ ملازم للحياة بأشكالها المختلفة وتعابيرها العديدة التي تستظلنا بها، فصوتنا باقٍ في الساحات وعلى المسارح، والمسرح القومي واحد من هذه الأماكن العريقة والراقية التي تضيف لي ولأي فنان يقدم أي عمل على خشبته، لدينا العديد من الأعمال الفنية الخاصة، قدمت بعضاً منها اليوم، من تأليفي وألحاني، أنا عضو نقابة الفنانين فرع اللاذقية، وحائز على العديد من الجوائز والشهادات والتكريمات في مجالي الموسيقى والغناء في سورية، منها في مهرجان التراث السوري الأول، وشهادات وجوائز في الأدوار من مصر، وأيضاً في لبنان من خلال برنامج سوبر ستار، ولديّ في هذه الفترة تحضير لأعمال قادمة.
كمال خليل صفتلي (عازف إيقاع في معهد محمود العجان): مهرجان اليوم يحتوي على مجموعة متنوعة من الأغاني الطربية السورية والعربية وكما يُقال إنها من الزمن الجميل، فهي مازالتْ متواجدة في وجداننا الثقافي وفي أحاسيسنا وذكرياتنا، ومازلنا نتعلم منها ونعلمها في معاهدنا الموسيقية، فهي أيقونة في الفن، وأي نشاط فنّيّ وموسيقي جماهيري هو إضافة لنا عندما نتشارك مع الجمهور في إحياء التراث الغنائي الأصيل الذي صقل وجداننا وأحاسيسنا، وحفلاتنا لأننا مجبولون به، فهو الذاكرة الدائمة النابضة بالحياة التي عشناها وسنعيشها.
محمد دقنوش (رئيس الفرقة الموسيقية وعازف الكمان، مدير معهد دقنوش الموسيقي): الموسيقى روح، تعبر دائماً عن النغم، والفنّ السوري فنٌّ أصيل جميل مبدع، ورغم الظروف القاهرة التي مرت على بلدنا الحبيب سورية نلاحظ تماماً التغيير والهبوط في مستوى ما يقدم من أعمال فنية وأداء، وسادت موسيقى بعيدة عن حسّنا وذوقنا الجمالي والفنيّ، هذا يؤلم جداً، لكن وجود التمايز دوماً هو ما يجعل القيمة الحقيقية للفن في مكانها الطبيعي، فالفنّ ذوق وإحساس يحمله أغلب الناس ويتوقون إليه، ونحن نحاول جاهدين حمل هذه الأمانة والمسؤولية بتواجد النغم الشجيّ الذي اعتدنا عليه في كل وقتْ، هذا هو دورنا في الماضي والحاضر وحتى في المستقبل بحمل الأصالة الفنية وتقديمها للجمهور في نتاج فنيّ يليق بنا دائماً . الموسيقي الفنان (زياد عجان) التقيناه في نهاية الحفل الموسيقي وعندما سألناه عن رأيه فيما قدِّمْ قال لنا: ما قُدّم اليوم من شجن أصيل كان نتيجة حصيلة عقلية ومعرفية مررنا بها واسترجعنا كل ذكريات هذا الزمن الجميل، الموسيقى لا تموت بلْ تطرق أرواحنا ونحتضنها دائماً، وما قدمه الفنان أحمد شريف كان رائعاً، لديه رؤية خاصة بتقديم أغنيات عبد الوهاب وأم كلثوم، غنّى كل ألوان الغناء بحرفية وجمال متفرد، وأداء مبهر لا يوجد على الساحة الفنية اليوم مَن يستطيع أن يقدم ما قدمه وغنّاه أحمد شريف، غناؤه لا أخطاء فيه بالمطلق، وطالما هذا الجيل يؤدي هذا الأداء الجميل أنا لا أخاف على الموسيقى أبداً، ستبقى موسيقانا تحمل هويتنا وأصالتنا وعشقنا للفن الجميل
سلمى حلوم