المملكـــــــة الخضـــــــــراء

العدد: 9411

 الأحد-25-8-2019

 

 

في مملكةٍ قديمةٍ، رغب شعبها أن يعيش من دون الملك، فما كان من ذلك الشَّعب إلاَّ أنْ قرَّر الهروب بعيداً.
وكمن يرتدي طريقاً معبَّدةً تصل لآخر الأفق، أكمل هؤلاء سيرهم، وقد أطلق كلُّ منهم على نفسه لقب الملك.
أمَّا المملكة ومن بعدهم، فقد جاء يومٌ صَارت فيه خاويةٌ كالرّمال.
صادف هؤلاء الملوك أثناء هربهم مملكةً، قصرُ حاكمها يشعُّ بثلثيِّ الشّمس، أسواره تعلو بالمقاصل والمشانق، فتخرج من هذه الأسوار أصواتٌ شجيةٌ حزينةٌ.
ولأن الدٌّروب كثيرةٌ ومتعرجةٌ، جعلوا سقفاً لكلّ خطوةٍ يخطونها، وأنفاسهم أخرجوها من تحت أظافرهم، لينجحوا بفرارهم.
وصلوا بعدها إلى مملكةٍ أهلها يرقصون ويتقاتلون في آنٍ معاً بأوامر من الملك، فيبتسم بعضهم حُبّاً بالحياة، وبعضهم يتوسَّل الموتَ ليستريح من آلامه وجراحه.
كان الهروب مفزعاً هذه المرَّة، وكانت وجهتهم إلى بلادٍ أميرها معمرٌ وضعيف، ولدى سماعه بأن ضيوفه فقراء لا يملكون طعاماً ولا سلاحاً، أخذ يفتك بهم، وكَلَّما قتل أحدهم، يُشاع خبرٌ بأنَّ ملكاً جديداً تابع المملكة الخضراء.
قد قُتل على يد حاكم هذه البلاد.
انتشر الخوف كانتشار طوفان شقًّ طريقه من السَّماء!
ولم لا؟ فذلك الملك قاتل الملوك، فتخلّى الباقون عن كُلِّ شيءٍ كما يتخلَّى البائس عن اتّجاهاتهم الأربعة!!
الباقون من ملوك الهرب، وصلوا إلى مكانٍ أشجاره عاريةٌ، وحقوله لفحتها الشّمس واستوطنها الإهمال، عدا ذيول خضراء هنا وهناك.
كأن حنيناً ما شدَّهم، فما يحيطهم أشبه بمملكتهم، وربّما هي ذاتها، شريطة لو تعود خضراء باسقة وغلالها وافرة، فأسرعوا إلى العمل بسرعة ظامئٍ راح يغرف من ماءٍ عذبٍ.
أمّا ملكهم القديم الجديد، فكان ولا يزال ككلِّ الناس، والنّاس من حوله ككلِّ الملوك.

سمير عوض

تصفح المزيد..
آخر الأخبار