العدد: 9403
الثلاثاء:6-8-2019
شتّان بين أن يرحل عنك أحد وبين أن يفارقك، وشتّان بين أن يمضي الدرب إلى ما لا نهاية وبين نهاية الطريق الطويل، ما أصعبها من حياة بلا أحبّة ولا خلاّن، ما أقساها هي الأيّام ونحن نقتات الثواني على مُرّ الذكريات التي تجعلنا نجترّها اجتراراً يوهمنا بأنّ الأمر مازال كما كان وكأننا المتوهمون الذين يبحثون عن الوهم في دهاليز الحياة وأقبيتها لنعيش هذا الوهم بما فيه وبما له وعليه، من وحي الأيّام وقساوة الحياة أمسك القلم ويدي ترتجف وأنا أخطّ هذه الكلمات التي تجعلني أعيش حياةً لا تشبه الحياة التي قرأت عنها في الكتب والمجلاّت بل إنّها بعيدة كلّ البعد عن تلك التي سمعتُ عنها في الأساطير وحكايات ألف ليلة وليلة، أكتب عن فراق الإنسان لنفسه وهجره إيّاها، لدرجة ينسى معها أين هو من نفسه، وأين هو من هواه وأناه.
هو الرحيل بمعناه البعيد وهو الفراق بقسوته ومرارته التي لا تُطاق، ما أقسى أن يعيش المرء بلا أناه ولا يُدرك هواه، بل ما أصعبها من حياة وما أجفّها إذا خلتْ من الرفيق القرين الذي يُصدقك القول حين تريد الحقيقة ، ويجعلك ترى نفسك كما هي عندما تريد أن تتبرّأ من الخطايا والآثام.
وفي العود على البدء أرى وغيري كذلك أنّ الحياة بلا رفيق أشبه بطريق يأكل أقدامنا ويلتهمها، أو أشبه بشجرة في الهجير وقد غادرتها أوراقها، ولأنّ الرّحيل مغادرة والفراق كذلك، لكنّ الفراق يبقى أشدّ إيلاماً وأعظم مصيبة وبلاءً، وهل بالإمكان أنْ يحيا المرء وقد فارقته أناه وابتعد هو عن هواه وأصبح طريداً في براري الضياع تذروه الرياح كأوراق الخريف تحملها الطرقات وتؤنسها كثرة الأوراق المرميّة هنا وهناك، ويبقى الإنسان أسير الحياة التي لا تكتمل إلا بالفراق والمغادرة على أساس أنْ يُفسح الحال الواقع الطريق للقادم الجديد ولن يكون ذلك إلاّ بالفراق و الرحيل .
نعيم علي ميّا