العدد: 9403
الثلاثاء:6-8-2019
بائع العتيق، أو على الأقل كما يسمي نفسه، جعلني أتساءل في تلك الظهرية الصيفية الحارة، كيف لنا أن نتخلص من قديمنا بهذه السهولة، كيف نتأبط قديمنا ونهبط به درج المنزل لنلقي به في أياد غريبة!
ألا تملك تلك الأشياء الساكنة روحاً أخرى ربما لا ندركها، وذاكرة تشي بالعطر رغم الغبار المتراكم فوق الرفوف، وتواريخاً عزيزة حتى لو كانت منتهية الصلاحية!
عندما كنا صغاراً، كنا نفرح بكل جديد، نقدم له طقوس البهجة ونتسابق في التخلص من الأشياء القديمة والتي كانت تبدو بنظرنا عائقاً أمام سعادتنا المحدودة آنذاك…
اليوم أصبحنا نبحث عن قديمنا بغض النظر عن قيمته المادية وكأنه كنز لا يعوض بثمن..
لازلت في كل زيارة الى بيت أهلي، أتفقد ذلك الدرج الخشبي المنسي، أشعر أني أشبه (أليس في بلاد العجائب) وأنا أضع يدي على مقبض بابه، وحالما يفتح الدرج يفوح عطر الزمان من زواياه القديمة..
تطالعني صور الأصدقاء والأهل والأقارب، وبعض معارف أهلي الذين لم ألتقِهم إلا نادراً، لكني أحفظ ملامح وجوههم وأسماءهم وكأنهم لم يغادروا ذاكرتي يوماً..
حتى المجلات القديمة وأشرطة (الكاسيت) تبدو صديقة مقربة لا أستطيع التخلي عنها كلما حاولت..
بطاقات المعايدة من أصدقاء الطفولة، وجلاءات الصفوف الدراسية، والعملات النقدية الصغيرة التي تحكي قصة جيل بأكمله، وحقيبة اليد التي أهدتني إياها جدتي الراحلة في أثناء زياراتها العلاجية إلى دمشق، لازلت أراها أجمل من كل حقائب الأرض، وأشياء أخرى كثيرة تحمل طابع الدفء والألفة…
(بائع العتيق) ينادي بأعلى صوته مذكراً بما يمكن استبداله من قديم، كرسي مكسور.. مدفأة.. أوانٍ…
بائع العتيق لا يشتري أحزاننا وشجوننا ويبدلها بالفرح، هو ليس ساحراً أو بطلاً من أبطال الأساطير القديمة، وحدنا من تعنينا تلك الشجون، وحدنا من يؤلمنا رحيل الأسماء والوجوه والأشياء القديمة..
وحدنا من نترك قلوبنا معلقة على الأشياء الحبيبة ونمضي، وحدنا من ندرك بعمق حزننا ماذا تعني كلمة عتيق!
منى كامل الأطرش