العدد: 9391
الأحد-21-7-2019
يشعر زائرها وكأنه يلامس حدود السماء بيديه، وتأخذه الدهشة إلى اللا حدود، فلا يعلم ما الذي يبهره فيها أكثر، أهي الطبيعة الساحرة والهواء العليل أم الغابات البكر الكثيفة بأشجارها المتنوعة أو جبالها الشماء التي تحتضنها كأم تحتضن رضيعها، أم تشكيلات صخورها التي تروي حكايات التاريخ الذي مرّ عليها، أو طبيعة أهلها وتميزهم بالطيبة والعفوية والكرم والذين يلاقون ضيوفهم بابتسامة من القلب وسلة طيبة من غلالهم، أم عن وديانها العجيبة في عمق الجبال وعمق الخيال كوادي الملقى في قرية عنانيب الذي سنبدأ الحديث عنه قبل الخوض بغمار أي حديث آخر؟
والملقى الذي يؤمه مئات السواح والمغتربين هو مكان مبهر الجمال كما ذكر كل من رآه و زاره، وقد سمي بالملقى بسبب التقاء ثلاثة أنهر بجرف صخري في واد عميق حيث تكون فيه مسابح صغيرة وجميلة جداً بسبب حتّ المياه والظروف المناخية تكونت منطقة صخرية منخفضة ساحرة الجمال محاطة بالجبال الغنية بالغابات من جميع الجهات مع وجود مياه دائمة الجريان وأشجار دلب كثيفة معمرة وضخمة في مجرى الأنهار.
يأتي إلى هذا الوادي الكثير من الشباب والشابات من عشاق الطبيعة على شكل مجموعات منظمة ويخيّمون فيه للاستمتاع بالسباحة في جداول ماء نقية ومسابح منحوتة بالصخر بأشكال جميلة قل نظيرها، وفيه أيضاً آثار لمطاحن أثرية قديمة على طول النهر استخدمها الأجداد مستفيدين من مساقط المياه لطحن الحبوب. الدكتور علي ليلا أحد المشاركين في الرحلات إلى ملقى عنانيب قال: لم أرَ منطقة أجمل من هذا المكان الغني بكل ما هو بكر وطبيعي حتى أني أشعر كأنني بكوكب آخر غير الأرض، حتى الهواء فيه مختلف ونقين ولكنه يحتاج إلى تضافر كل وسائل الإعلام للإشارة غليه والتعريف به، ويحتاج أيضاً إلى تدارك هذا الإهمال لموقع سياحي جميل كهذا، إنه يفتقر حتى لطريق معبد وسهل الوصول، بالعكس تماماً تشعر وأنت تبدأ المسير إلى الملقى قاطعاً كل هذا الطريق الوعر وكأنك في مغامرة من مغامرات ألف ليلة وليلة، نتمنى تسليط الضوء على هذا المكان وتخديمه بما يجب وإبعاد القطاع الخاص عنه ليبقى ملكاً للجميع، ومحاسبة من يسيء للغابة أو يحاول تقطيع بعض أشجارها بغاية التفحيم فكل ما في هذا المكان ثروة حقيقية يجب الحفاظ عليه، مناطقنا هذه تفوق روعة وجمالاً ما نشاهده في ناشيونال جيوغرافيك لكنها مجهولة للكثيرين والإعلام بكل أنواعه لا يسلط الضوء عليها وشكر في ختام حديثه مؤسسة (طبيعة بلا حدود) التي ساهمت باستكشاف هذه الطبيعة وتعريفنا عليها، أما رشا فقالت: طبيعة ساحرة ولكني لن أعيدها وأشارك مرة أخرى بالرحلات إليها مالم تخدم الطريق إليها على الأقل وسأكتفي بسماع ما يرويه أصدقائي عنها ومشاهدة صورهم.
أما حسام فقال: لو كانت هذه البقعة الجميلة من الأرض في أي مكان آخر في العالم لتضافرت الجهود ولقدمت كل الخدمات الضرورية لها لتحويلها إلى جنة حقيقة ومقصد للسياحة ومركز إشعاع جمالي يضيء المحافظة بكاملها.
كل هذا الحديث والجمال الرباني عن قرية عنانيب الذي يتعانق فيها شجر التين والزيتون مع أشجار الجوز والتفاح والكرز في مشهد ساحر.
وعنانيب تتبع منطقة القرداحة ناحية جوبة برغال وتبعد عن اللاذقية ٤٦ كم وعن القرداحة ٢٠ كم تجاورها قرية البلاط من الشرق والسراج من الشمال وفرزلا والمصيص من الغرب وجوبة برغال من الجنوب وترتفع عن سطح البحر ٧٠٠ متر.
تجولنا في القرية والتقينا مع بعض أبنائها واستمعنا منهم إلى أحاديثهم وشجونهم وكانت البداية مع السيد كاسر حليمي الذي استضافنا بكل محبة في منزله وقال معرفاً بالقرية: تقع عنانيب إلى الشمال الغربي من قرية جوبة برغال ويبلغ عدد سكانها ١٥٠٠ نسمة، تتدرج حاراتها في تناغم جميل حتى تصل إلى واد عميق بين جبلين وهو ما يفصل منطقة القرداحة عن منطقة الحفة وأضاف: نتيجة قلة الخدمات في القرية والبعد عن مركز المدينة وقلة الاهتمام بالقرية بالإضافة إلى ظروف الناس المعيشية القاسية اضطرت عدة عائلات للهجرة منها إلى ضواحي مدينة اللاذقية لتأمين دراسة الأبناء والعمل على تحسين مستوى المعيشة وإذا ما بدأنا بالحديث فحديثنا ذو شجون يبدأ ولا ينتهي، فمن الناحية الزراعية فالملكيات الزراعية في القرية مساحتها صغيرة ومحدودة بسبب الغابات المنتشرة بكثرة في القرية حيث أغلب الأراضي في القرية أملاك حراجية للحراج ممنوع الاقتراب منها والمساس بها، والباقي منها مزروع بأشجار الجوز والتين والزيتون والكرز وأشجار ثمرية متنوعة ويزرع الناس أيضاً بعض الخضروات المنزلية وأيضاً التبغ نوع بصمة وقد قلت زراعته كثيراً في الوقت الحاضر لأسباب كثيرة منها عدم الموافقة على ترخيص مساحات جديدة للزراعة وتدني أسعاره مقارنة بما يقدم له من خدمات حراثة وتعشيب وأسمدة وأدوية و….
وقد عملت مديرية الزراعة على استصلاح الأراضي الزراعية المهملة في القرية لتكون صالحة للزراعة والاستخدام ولكنهم لم يكملوا واجباتهم القانونية حيث يجب الالتزام بالعقارات المستصلحة لمدة خمسة أعوام وزراعة الغراس وحمايتها وسقايتها ولكنهم لم يقوموا بهذا الدور نهائياً، وأشار أيضاً إلى مشكلة الطرق جميعها الرئيسية منها والفرعية والحراجية أيضاً والتي يعاني منها الجميع فهي سيئة للغاية.
أما المواصلات فحدث عنها ولا حرج حيث يعتمد الأهالي في تنقلاتهم على السيارات الخاصة التي تعمل بدلاً من السرافيس وتتقاضى أجراً كبيراً يفوق قدرة الموظف والطالب.
ووحدها لجنة السير في المنطقة من تتحمل المسؤولية فليس من المعقول أن تكون أجرة الراكب الواحد من القرية الى القرداحة أو العكس ٥٠٠ ليرة وأحياناً أكثر وليس من المعقول أن يتكلف المواطن جراء ذهابه إلى اللاذقية وعودته إلى القرية مبلغ ٢٠٠٠ ليرة أجرة مواصلات، علماً أنه توجد سرافيس مسجلة على خط القرية ولكنها تعمل على خطوط أخرى، فإذا ما تم إلزامها وتخديم المنطقة بالمواصلات وتحسين هذا الواقع على الأقل عليهم أن يلزموا السرافيس بالمرور إلى قرية البلاط ثم عنانيب ومن ثم مليخ حيث يتجاوز عدد سكان هذه القرى ال٤٠٠٠ نسمة وهذا مطلبنا الأهم والذي نتمنى أن يلبوا نداءنا به حيث لا يخلو بيت من الموظفين والطلاب الجامعيين والعساكر.
وأضاف: أُنشأت ناحية جوبة برغال والقرى التابعة لها على أساس أن تصنيفها سياحي والمنطقة فعلاً جميلة بكل مكوناتها ومبهرة بكل مقوماتها وتقديم هذه الخدمات ينعش السياحة فيها وأولها الطريق المؤدي إلى الملقى.
وتحدث أيضاً السيد مفيد سعيد عن الملقى وأهميته في تحسين وضع الناس اقتصادياً في القرية فيما لو يتم تقديم بعض الخدمات له وأهمها الطريق متمنياً على السادة المعنين أخذ هذا الموضوع على محمل الجدية حيث مناظره وجماله يضاهي أجمل الأماكن السياحية في العالم وللوصول إليه على الزائر قطع طريق يتجاوز طولها ال2 كم وكلها طريق حراجية وعرة وقاسية ومحفرة وسط غابات ضخمة وأهالي القرية جميعاً يطالبون بتسوية الطريق وتعبيده وأضاف: عندي هناك كمعظم أبناء القرية أرض مجاورة للملقى ذات إطلالة رائعة ولو شقت الطريق إليها بشكل جيد وعبدت فسأكون أول من ينفذ فيها مشروع استثماري سياحي يخدم القرية والسياح معا وقد رفعنا العديد من الكتب وخاطبنا السيد وزير السياحة والذي قام بدوره مشكوراً بمخاطبة مديرية السياحة في اللاذقية للقيام بالدراسة اللازمة ولكنهم حتى الآن لم يقوموا بالكشف على الموقع لافتاً أن كل القرية غنية باللوحات الطبيعية الجميلة والمواقع السياحية الرائعة ولكنها تفتقد للطرقات الخدمية التي لو توفرت ستجعل القرية مقصداً للسياحة.
السيدة هيام بيشاني أشارت أيضاً إلى تميز أهل القرية بطيبتهم وعفويتهم وكرمهم ومحبتهم لاستقبال الزوار الذين يعانون كل الصعوبات للوصول إلى مقصدهم حيث لا توجد مواصلات ترتقي بمواقع القرية فيحسب الزائر لها ألف حساب عن كيفية الوصول إليها والعودة منها بالإضافة إلى معاناة الطلاب والموظفين الكبيرة في هذا المجال وأضافت: تشتهر القرية بأكلاتها الشعبية مثل الكبيبات بسلق والفطائر والمحمرات والكماجات والبرغل بحمص المطبوخ بالفخار وتعتمد بعض العائلات في القرية في معيشتها على تربيه الأبقار وصناعة الألبان والأجبان والشنكليش والسمن البلدي، ويقضي رجال القرية أوقات فراغهم في التسلية ببعض الألعاب الشعبية حيث يتبارى الكثيرون منهم في لعبة المنقلة وطاولة النرد وأشارت إلى معاناة القرية في تأمين مياه الشرب حيث تأتي مياه السن مرة واحدة فقط كل 20 إلى 25 يوماً لساعتين ولذلك يعتمد الأهالي في تأمين حاجاتهم على ينابيع القرية حيث يتم نقل الماء إلى المنازل إما حملاً على الأكتاف أو تنقل بالسيارات لافتة إنه لو تم استثمار هذه الينابيع وتجميع مياهها الذي تذهب هدراً لأغنت القرية عن أية حاجة أما الكهرباء فوضعها جيد ورغم علو المنطقة وارتفاعها وفي حال انقطعت في العواصف الشديدة فيتم الصيانة مباشرة وبشأن خدمات البلدية قالت نتبع لبلدية جوبة غربال وهي كغيرها من البلديات إمكانيتها محدودة وتقتصر خدماتها على ترحيل القمامة ويتم ذلك بشكل دوري ومنظم وبالنسبة للصرف الصحي بالقرية مخدمة بالصرف الصحي ولكن الشبكة قديمة وتحتاج للصيانة والاستبدال في أماكن أخرى وإن لم يتم ذلك بالقريب العاجل تتلوث ينابيع القرية وقد قام بعض الأهالي بتحليل مياه النبع الرئيسي في القرية وكانت فيه آثار للتلوث ولو كان بإمكاننا الاستغناء عنه لتركناه وتحدثت السيدة أم علي عن معاناة أغلب طلب الثانوية الذين يقطعون مسافات طويلة في كافة الظروف الجوية سيراً على الأقدام للوصول إلى ثانوية جوبة برغال والأقرب إلينا والتي تبتعد عن القرية نحو 7كم وحاجة القرية لبناء مدرسة إعدادية نظامية حيث الإعدادية الحالية بناء مستأجر سيئ لا تتوفر فيه أدنى الخدمات كالحمامات مثلاً أما الابتدائية بناء حكومي تتألف من ست شعب صفية بالإضافة للغرف الإدارية ويدرس فيها من 30 إلى 35 طالباً بينما كان يصل عدد طلابها في السابق إلى 150 طالباً ولكن تناقص العدد بكثرة نتيجة هجرة أهالي القرية إلى المدينة نتيجة ظروف القرية القاسية وقلة الخدمات فيها فتأمين التعليم الإعدادي والثانوي للأبناء بشروط صحية وجيدة ودون تكلفه كفيل بترك القرية إلى المدينة
السيد عادل اسمندر قال: ليس من المعقول ونحن في القرن الواحد والعشرين إننا ما زلنا نؤمن المياه نقلاً على الأكتاف لماذا لا يتم تجميع مياه نبع القرية في خزان وضخها إلى منازلنا بدلاً من هدرها في السواقي والوديان طوال العام والسيد مرتضى سعيد تحدث عن مرض ابنته ومعاناته معها لمدة عام كامل وذلك بسبب تلوث مياه ينابيع الشرب نتيجة مرور الصرف الصحي للقرية والذي بات يحتاج للصيانة نتيجة قدمه وتخربه وتسريبه في أماكن عديدة بجوار النبع.
السيد حسن تحدث عن حاجة طرق القرية لتعزيل جانبيها وتنظيفها وحسن مرادش أشار إلى أن القرية بكاملها محرومة من الانترنت ولا يوجد فيها بوابات نتيجة بعدها عن مقسم الجوبة حوالي 6 كم.
وفي نهاية المطاف نقول تستحق جبالنا وقرانا والتي تبدو وكأنها بلد الأساطير والحكايات الجميلة مثل قرية عنانيب توفير الدعم الكامل لها وحماية بيئتها وتأمين كافة البنى التحية فيها وتخديمها بما يليق بها ويوازي سحرها وألقها وتشجيع السياحة إليها لتتحول فعلاً إلى مركز إشعاع ينعكس جمالها على الكون بأثره.
سناء ديب