الإشغالات واقعٌ لم يجد سبيله للتنظيم.. والحلم رخصة!

العدد: 9388

الثلاثاء: 16-7-2019

 

 

إشغال الأرصفة والشوارع الرئيسية للأسواق التجارية المتنوعة بالمعروضات للمحال والبسطات والعربات الجوالة حالة نلتمسها واقعاً لم يجد السبيل إلى تنظيمه.
فلا يكاد يخلو أي سوق تجاري من اعتبار رصيف المارة كملك إضافي للمحل يستثمره أصحابه كيفما أرادوا، سواء بعرض منتجاتهم خارج المحال أو باستثمار واجهته ورصيفه لبيع بضائع متنوعة، وقد يعتبرها البعض فرصة لدخل إضافي وتشغيل للمحتاجين للعمل.
جولة في أسواق متفرقة
بدايةِ جولتنا توقفنا في حي الرمل الشمالي الذي تشعر بغياب أرصفته نظراً لإشغالها بمعروضات متفرقة وبسطات مما يضطر المشاة للعبور فيها ولا مانع من استكشاف ما ينقصهم لوفرة المعروضات.
واللافت أن المحال التجارية التي تعرض منتجاتها مساحاتها ليست بالصغيرة ومع ذلك لم تفتها فرصة استغلال الرصيف وحتى الشارع بجزء منه.
وفي عبورنا لحي بستان الريحان فحدّث بلا حرج فالإشغالات هي صاحبة المشهد العام، حيث فرصة البيع أكبر للخضار والفاكهة وعلى العربات وسيارات (السوزوكي) إضافة للتعدي على الأرصفة من أصحاب المحال التي تعمل في أنواع التصليح كما تعنون محالها بشتى أصنافه.
أما سوق العنابة فيبدأ بواجهة محل تجاري لبيع الأحذية استثمر بطرفيه لبيع الأحذية والألعاب وغيرها ما لا يترك المجال للسير على الرصيف مع المسير في هذا السوق نجد حتى الشارع قد استثمر في عرض ألبسة وأغراض أخرى.
وفي سوق أوغاريت المعروف بسوق الخضرة لم يكن الحال فيه أفضل من باقي الأسواق فالأرصفة المشغولة ببسطات الخضار والفاكهة وغيرها من المنتجات تشكل حالة الجذب للمتسوقين، فأصحابها لطفاء بالمعاملة وأسعارهم مقبولة.
أمَّا المحال التجارية لبيع الخضار والفاكهة وغيرها من اللحوم والألبان والأجبان فقد غصت بالمنتجات حتى ما بعد الأرصفة إلا أنهم للإنصاف تركوا المجال للمرور بين منتجاتهم.
البحث في الأسباب
لم نبحث في مدى السماح أو المنع لظاهرة إشغال الأرصفة والشوارع بالبسطات والمعروضات، فهذا الموضوع ومنذ عشرات السنين لم يجد الحل المناسب، ولن نبحث في قانونية ونظامية استثمار الرصيف وهل هو مستأجر أم لا فهذا الجانب أيضاً له من يعنيه، ولكن بحثنا عن أسباب البيع على البسطات والعربات، فأصحابها كان القاسم الوحيد الذي يجبرهم هو الحاجة المادية وعدم القدرة في البحث عن مورد آخر لإيجاد مردود مادي يعيلهم في الحياة المعيشية.
فطارق ابن الخامسة عشر من عمره يبيع الأحذية أمام واجهة إحدى المحال التجارية، ولديه أسلوب التاجر في العرض والمساومة والبيع، سألناه عن أسباب امتهانه للبيع قال: أنا أحب العمل، وأتابع تحصيلي العلمي، فأنا في الصف التاسع والمحل هو لأحد أقاربي وسمح لي بالعمل لأحصل على مردود مادي أعيل فيه أسرتي وأوفر فيه دخلاً يعينني في حياتي.
أمّا أبو أحمد فالرجل الستيني فكان يجلس أمام بسطته المعّدة لبيع الجوارب بأنواعها والذي طلب منّا أن ننقل معاناته وحلمه بـأن تنظم هذه الحالة، فهو منذ أربعين عاماً وهو يتجول مع بسطته في السوق التجاري ويتمنى أن يكون هناك مكان ثابت يأتيه كل يوم بدلاً من حمل كرسيه وبسطته والتنقل في السوق أو الهرب عند وجود حملة لإزالة الإشغالات.
ورأيه أن الفائدة تعود للطرفين، فهو يجد مكاناً والدولة تستفيد من تأجير المكان البديل، فهذه المهنة التي يزاولها اعتاد عليها ولم يعد بإمكانه تغييرها فهي مصدر معيشته.
وفي السوق التجاري توقفنا أيضاً مع شاب لم يتجاوز العشرين من عمره، جعل من سيارة صغيرة محلاً تجارياً يعرض فيها منتجات تجميلية مختلفة، وما لفتنا أن الشاب هو طالب بكالوريا يشعر بالمتعة في البيع والتجارة، ولم تمنعه الدراسة من ممارسة مهنة تعود بالفائدة المادية عليه.
وفي سؤال له عن المعاناة في حال وجود حملة لإزالة الإشغالات فكان رده ببساطة أنه لا يكترث بها، ففي كل فترة يعانون منها ثم تعود الحال كما كانت، ولا مانع لديه من تنظيم الحالة وإنصاف الجميع بطرق لا تقطع رزقهم وتشكل مردوداً إضافياً لخزينة الدولة.
كان محمد الذين يفترش أغراضه المتنوعة على الرصيف في شارع القوتلي يروي معاناته مع كل حملة لإزالة الإشغالات، فقد جاء إلى هذه المحافظة منذ عدة سنوات ولا يستطيع العمل في حرفته السابقة نظراً لما تحتاجه من معدات قد فقدها خلال الحرب في مدينته حمص، ولم يجد سوى البيع مع ابنه على الأرصفة ليستطيع تأمين معيشته، وقد تمنى أن توجد الأسواق البديلة أو السماح بترخيص البيع على الأرصفة كي نشعر بالاستقرار أكثر.
وأمام السوق المقبي كان يجلس رجل سبعيني يتمعن وجوه المارّة علّهم يشترون من بسطته المتواضعة ما يعود عليه بمدخول مادي سألناه عن حال البيع والشراء في هذا السوق، فجاء جوابه بأن الحال مستور والبيع والشراء عرض وطلب، فأيام يكون فيها الرزق جيداً وأيام لا نبيع شيئاً.
فهذه حال من يبيع على البسطة لا مجال له لاكتناز مدخول إضافي قد يساعده في فتح محل صغير ومن أسواق بديلة توفر المكان الثابت والراحة النفسية.
وداخل السوق المقبي فجلّ بسطاته يفترشها الأطفال ممن هم تحت سن الثامنة عشر، يبيعون الأغراض المنزلية والحاجات الأساسية والألبسة لتأمين مدخول لهم ولأسرهم.
وبوقفة أمام شارع القوتلي فكانت درابية إحدى المحال التجارية مكاناً موفقاً لبيع أغطية الطاولات استثمرها أحد الشباب كمهنة له ومصدر رزق يعرض عليها منتجه بطريقة لافتة ومعتبرها المكان المخصص له دون الإزعاج من الجوار أو المارة.
فلا سبيل له للدخل سوى البيع في هذه المنطقة المشهد الذي لفتنا أكثر هو افتراش سيارة خاصة بأنواع من المناشف والأغطية وعرضها للبيع حيث قال صاحبها بأن أصحاب المنطقة يسمحون له بعرض بضاعته على سياراتهم كمساعدة له لتأمين رزقه وكم يتمنى أن يجد مكاناً مقبولاً وبسعر معقول كي يعرض منتجه دون أن يتسبب بالإزعاج لأحد.
وفي سوق الخضرة بأوغاريت فالمشاهد ممزوجة بروائح المنتجات المعروضة، فرائحة السمك تدلّك على بسطة السمك ورائحة اللحوم كذلك، أما الخضار فالشارع كفيل بإرشادك إلى ما تريد، واللافت أن أصحاب البسطات في تلك المنطقة يعرضون منتجاتهم التي يجنونها من أراضيهم أو أماكن سكنهم وبطريقة لافتة، حيث المنتجات من الأرض إلى السوق، والترتيب سيد الصورة.
توقفنا مع علي وهو صاحب بسطة لبيع الخضراوات وسألناه عن المدة الزمنية التي اتخذ منها هذا المكان، فكان جوابه بأنه لا يعرف نفسه منذ طفولته إلا وهو في هذه المنطقة فهي المكان الذي أصبح جزءاً هاماً في حياته ومصدر معيشته هو وأسرته ولا سبيل له للبحث عن مكان آخر لبيع بضاعته وكم تمنى لو يسمح لهم باستثمار هذا الرصيف مع زملائه ليتمكنوا من البيع بأريحية.
وفي عبورنا وتجولنا في السوق توقفنا مع العديد من الأشخاص الذين أكدّوا أنهم يفترشون هذه الأرصفة والشوارع منذ سنين عدّة، وقد أصبحت مكان رزق لهم ولو غيّروا المكان أثناء بعض الحملات، فإنهم يعودون إلى أماكنهم السابقة والتي اعتاد الناس على رؤيتهم فيها وفي الخلاصة: ما نشهده خلال الجولة في العديد من الأسواق حالة إشغال للأرصفة والشوارع تحولت لأماكن ثابتة لفئة لا مورد رزق لديهم سوى بسطات أو أماكن لتوقيف عربات يعتاشون منها، ومنهم من اعتاد البيع على الأرصفة ولا يستطيع البحث عن عمل آخر، فهذه الأرصفة والشوارع أصبحت جزءاً أساسياً من حياتهم، وأصحاب المحال والمارة قد اعتادوا رؤيتهم فيها، وجلّ أحلامهم السماح لهم باستثمار هذه الأرصفة بطرق نظامية أو إيجاد حل لهم لا يقطع مورد رزقهم.
أما أصحاب المحال التجارية والذين اعتبروا الرصيف وحتى الشارع جزءاً من أملاكهم فهم تجاوزوا القانون وبعيداً عن مصداقيتهم في استئجار الرصيف أو عدمها، فالبعض منهم جاوزوا الحدود وقطع الطريق أمام المارة.
وما يعنينا في موضوعنا هو نقل صورة الواقع، فليس من المنطق الا يجد المارة أو حتى السيارات في بعض الأسواق مكاناً للعبور نتيجة التعدي على الأرصفة التي تعتبر ملكاً عاماً.
وإن تجاوزنا هذا الملك العام فإن تنظيمه يعود بالفائدة على خزينة الدولة فهل كل التجاوزات على الأرصفة هي مقوننة من قبل أصحاب المحال وسيتم استئجارها، أم البعض منها، أو ماذا؟!…
لن ندخل في التفاصيل فأصحاب الشأن المعنيين يعلمون واقع الحال تماماً، ولكن التفاصيل التي تهمنا هو نقل معاناة من يتخذ من الأرصفة والشوارع مورداً لرزقه وكل أمنياته السماح له بالعمل بطرق نظامية أو كما يسمونها (الرخصة) كي يعملون بلا خوف يرافقهم مع عملهم تحت حرارة الصيف وبرد الشتاء.

سهى درويش

تصفح المزيد..
آخر الأخبار