الوحدة : 12-11-2024
بطبيعة الحال، من المُهم جداً الإدراك بأن المدن سواء كانت كبيرة أم صغيرة، الطُرقات بأنواعها هي الشيء الأوحد الذي يجمعها، لكن هناك طفرة خالصة تُخالف هذا الواقع، حيث تُعدّ مدينة الدريكيش من المدن الساحلية ذات الطابع الجبلي السياحي، وهي من أهم المصايف على مستوى القطر، تقع على سفح بازلتي غني بينابيع المياه المعدنية، وقد فرضت طبيعة الدريكيش كثرة (الدرج) وهنا تظهر تلك الطفرة، حيث تنوب بأعدادها الكبيرة عن الطُرق والتفرّعات، للوصول إلى حَوارٍ قديمة ضيّقة شكّلتها الطبيعة السكّانية المتألفة.
وضمن هذه المدينة شارع رئيسي مرصوف بالحجارة السوداء لمسافة طويلة يقدّم لوحة فنيّة فريدة، يخترق تجمعات قلب المدينة، لكن الوصول إلى المنازل السكنية المجاورة لهذا الشارع لا يتم إلا من خلال درج، ضيّقاً كان أم واسعاً، ويغلُب الدرج المتضيّق الذي تزيّنه حجارة مبنية بشكل عفوي، يقدّم لوحة فنية تعكس طبيعة المكان، أمّا العريض فهو خارج نطاق المنازل.
ومن قلب الدريكيش.. تتوزّع أدراج هذه المدينة لتشكّل أضعاف طرقاتها، كل درج يحكي قصّة قديمة، يرسم عناوين جميلة عن واقع هذه المدينة السياحية التي بدأت تعود إلى ناصية المدن المُكتملة سياحياً. وحتى المنازل القديمة باقية راسخة متمسّكة بكينونة المدينة التاريخية، حجارة بعضها مرسومة بعناية، قديمة أزلية، تتحدّث عن فنون العمارة التي كانت سائدة في مراحل ماضية.
وبالعودة إلى درج المدينة وتوزّعها، فهناك عناية رسمية توليها بلدية الدريكيش لهذه الظاهرة، وتقدّم لها حيّزاً كبيراً من الاهتمام والرعاية، من خلال حملات النظافة الدورية لتلك الأماكن، وأكثر ما يميزها هو انتشار أنواع عديدة من الأزهار والورود المتسلّقة على الجوانب، ومن أضخم الأدراج في الدريكيش، هو الدرج الذي يمتد من نبع عين الفوقا على اتجاهين، يفصل بينهم حدائق صغيرة مزروعة بأشجار الزينة، نزولاً إلى نبع السوق في قلب المدينة، بالإضافة للدرج الطويل الذي يمتد من الطريق الموازي، حتى شارع مدينة الدريكيش الرئيسي، وعددهم (٢). لذلك يعتبر (الدرج) مرادفاً مهماً لهذه المدينة، يشبه كثيراً الينابيع والمياه المعدنية التي تشتهر بها الدريكيس، ليشكّل حالة فريدة لا تمتلكها مدن كثيرة.
سليمان حسين