الوحدة8-11-2024
الجنوح المشروع نحو أدوات الرفاهية بدأ يضمحل بشكل واسع سالكاً طريق التلاشي بعد انخفاض معدلات الطموح وتطوير القُدرات، حيث اتجهت الطُروحات مؤخراً وتعزّزت بضرورة اقتناء دراجة نارية تكون بديلاً شخصياً عن السيارة. لكن حتى هذه الوسيلة أصبح اقتناؤها صعباً، فأسعارها وتفاعلها مع دراما الوقود وضع حداً مشروعاً لهذا الطموح، عداك عن ملاحقتها كصاحبة أسبقيات، لكن الأنظار بالعموم، بدأت تتّجه إلى أخذ الصين كمثال للواقع والقيام بما يفعله أهلها، فهم يركبون درّاجات هوائية، الأبعد كثيراً عن حالات التلوث، والأقرب جداً لبناء صحة مثالية تعينهم على القادمات من عمر رذيل..
في مجتمعاتهم الكبار من موظفي القطاعات الحكومية وأشباههم يركبونها بأريحية مُطلقة، ومن كِلا الجنسين، لها في مقرّات وظائفهم أمكنة مخصّصة، لا يستبيح وجودها أي أحد.
بالمقابل، هل لنا أن نتخيّل هذا الوضع يسير داخل مجتمعنا الشرقي، فهذه القضية مرهونة فقط بأطفال ويافعين أو هُواة من الأعمار الصغيرة، وشكل الرجل أو المرأة فوق تلك الوسيلة سيكون مادة هامّة لأحاديث وأقاويل ممزوجة بكم كبير من السخرية والاستهزاء.
مع العلم أن بعض الأرياف بدأت تتحرّر من عُقد الانكفاء على النفس، فقطعت أشواطاً مهمة في هذا المجال، وباتت الصبايا تركبن كلتا الدرّاجتين الهوائية والنارية بعقلانية وتفانٍ، وقد لوحظت الكثير من الفتيات يمتطين الدرّاجة النارية بكل جرأة، والهوائية أصبحت رفيقاً وفياً للوصول إلى المدارس..
وإلى المدينة.. هل سيتقبّل المجتمع هذا الخروج عن الواقع؟ وعلى فرض أن هذه (الظاهرة) قد فعلت فِعلتها وتقبّلها جمهور عريض، هل ستكون درّاجات المدينة ضمن المكان الآمن أمام الكثير من العابثين الباحثين بشراهة عن لقمة عيش ضائعة؟ أول ما نراه مع الإشراقة الأولى هم نبّاشو الحاويات وملحقاتهم من ضِعاف النُفوس، فهل ستنجو الدرّاجة منهم حتى ولو كانت مقيّدة بسلاسل معدنية على مداخل الأبنية؟
أسئلة كثيرة ترافق هذه التطلعات المُشرقة، في وقت لا نعلم متى نكون بقادرين على تقبّل أفكار أصحاب العيون الصغيرة المجتهدين، واستيعاب تصرّفاتهم الحكيمة بعيداً عن العُقد، يقدّمون لنا الأشياء التي تستهلك صحتنا وأموالنا، بينما يتفنّنون بانتقاء الأشياء والأدوات التي تُنجيهم وتقدّم لهم وجبات مهمّة من العافية والصحّة.
لعل الذكرى تنفع.. مع نهايات القرن الماضي الذي يخصّنا، كانت الدرّاجات محترمة جدّاً، وقد تمّت عمليات إخضاعها للقوانين البلدية المرعية، وبات لها رقم يشبه لوحة المركبات العادية، لكن خضعنا بالّلاشعور لمتلازمة (التنبلة) وبدأنا نبحث عن بدائل مريحة، وتمّت مؤخراً ولادة الدراجات الكهربائية الخرساء، لتُعزّز فكرة منحنا الأدوات السيّئة حتى ولو كانت صديقة البيئة..
فهل نبدأ بتحرير أنفسنا من منطقنا الشرقي، ونبدأ بجديّة خالصة وعلى المنابر، بضرورة تعميم ونشر ثقافة الدرّاجات الهوائية الصحّية، والعمل قدر المستطاع على تفريغ المدن من فوضى الآليات والسيارات الخاصّة الباحثة بلهفة عن الوقود، ونضرب أكثر من عصفورين (بالبسكليت)، الرياضة والصحّة، وتأمين الحوائج المنزلية، وكذلك الوصول إلى مقرّات العمل الوظيفي.
سليمان حسين