الوحدة :21-10-2024
يكتنز العيش بوجود زيت و زيتون في مطابخ البيت، وترتسم الأفراح على وجوه شمّر أصحابها عن سواعدهم لجني موسم الزيتون، حيث استبشروا خيراً، فكان منهم في لقاءاتنا بث لبعض الهموم:
* أبو ثائر يجني كل موسم زيتون المحصول في بستان قريبه أبي يزن، الذي يسكن في المدينة ليحصل على المؤونة من الزيت والزيتون، التي تكفيه طوال العام ولا حاجة له للشراء من الأسواق، ولم يكن يوماً يسأل أو يهتم بعدها بحاجة للبيت. فمتى ما توفر الزيت في البيت، توفر فيه كل شيء، فهو كمحرّك السيارة كما يقول، ويتابع والهم يعلو شفتيه برجفة وتأتأة في الكلام: هذا العام عاد قريبي إلى القرية مع أولاده الثلاثة ليعتذر مني في كف يدي عن العمل، فالموسم ضعيف والعيش ضيق بعد تقاعده وليس فيه وسع لاقتسام ولا يكاد يكفيه، وهو ما دفعني للبحث والتفتيش عند غيره، وقد اشتعل في الهم والغم، ولم أجد إلى اليوم مبتغاي، فكل أهل القرية قد دبروا أمرهم وكان في سعيهم الرجاء، اشتغلت عند أحدهم في الجوار بمائة ألف ليرة باليوم. وكله (تعفير) فكان صعباً علي و العمل لأيام معدودة لا تكفي لأهل بيتي زيتاً ووقوداً للعيش، حتى أن زوجتي راحت تعفر في البساتين التي انتهى أصحابها من جنيها علها تجد بعض رزق فيها، لانعلم هذا العام إن كان عملنا هذا سيكفي حاجة البيت، و”بيدون” الزيت بالملايين اليوم، الحمد لله على كل أمر.
* تيم وزميله مصطفى في الصف السابع أكدا أنهما بعد عودتهما من المدرسة يخرجان للتعفير في أراضي الزيتون، وإن شاهدا أصحاب الزيتون فيه يبتعدان، فهم لم يخلصوا من جنيه، وقد يبتعدان عن القرية طلباً لبعض حبات من الزيتون، كما أن بعض أصحاب الكروم قد يجودون عليهما بحفنة من الحبات تلطفاً بحالهما، وهنا يقدمان بعض الوقت والمساعدة في جمع حبات الزيتون لأهلها، ويتابعان بعدها البحث في البساتين للتعفير، وفي المساء يقصدان الدكان لبيع ما جنته أيديهما، فالكيلو منه ١٢ ألف ليرة.
* أم علي وعائلتها في في أرض امتلكتها منذ عامين فقط، حيث أشارت إلى ذلك بقولها: بعد هذا الغلاء للزيت والزيتون، كان من الواجب علينا أن نملك مصدراً للزيت بامتلاك أرض بأشجار زيتون، فشراء الزيت بأكواب لا يكفي للأولاد بسندويش زعتر وزيت، فسابقاً بعت أراضي التي ورثتها وأندم عليها اليوم لأشتري زيت المازولا الذي ليس له طعم أو لون حتى لا فائدة ولا صحة فيه، ولا قدرة لنا على شراء زيت الزيتون الذي حلق بجناحين من الملايين، والراتب لا يقوى على شراء كيلو منه. فسحبت قرضاً، وكذلك زوجي لنشتري هذه الأرض، والحمد لله تسد رمق حاجة البيت، حتى أن صغاري يلهون جانبي وبعض الأحيان يساعدوني، ويلاقون العمل هنا وكأنه احتفال، إذ يحضرون كل ما لذ لهم وطاب.
هدى سلوم