العدد: 9383
الثلاثاء: 9-7-2019
ما بين باحث عن مأوى آمن بعيد عن الإرهاب والخوف وبين مستثمر يلبي حاجة الوافدين كان لسوق الإيجارات الفرصة الأكبر في التجارة الرابحة.
فمدينة اللاذقية من المدن التي اعتبرت آمنة وعلى صغر مساحتها مقارنة بالمحافظات الأخرى، إلاّ أنها استوعبت أضعاف سكانها من الوافدين إليها. وفي الاقتصاد فالقاعدة تقول: عندما يكون العرض أقل من الطلب فالسعر يكون عزيزاً، وهذا ما كان للإيجار الذي حلّق بأسعار خيالية لا يحلم مالكو العقارات بها في الأحوال العادية. وبما أن الحاجة دفعت الكثيرين للقبول بالأمر الواقع، فبات الاستثناء قاعدة، ولو أن التوقعات بانخفاضها قليلاً مع تراجع الطلب عليها وعودة الوافدين إلى مناطقهم ومدنهم قد خابت، فواقع الحال عكس المأمول وأسعار الإيجارات لم تتراجع عن لهيبها، فأرقامها فلكية وهذا ما لمسناه من خلال استطلاعنا في العديد من مناطق المدينة وحتى ريفها القريب.
وخلال استفسارنا عن الإيجارات وأسعارها في عدة مناطق سكنية كالمشروع العاشر والأوقاف والزراعة والطابيات والكورنيش فقد وجدناها مرتفعة بشكل خيالي، فالشقة الصغيرة بفرشها المتواضع لم يقل سعر إيجارها عن الثمانين ألفاً، وكلما زادت مواصفة أو عدة أمتار ارتفعت الأسعار.
وفي لقاء مع أحد المواطنين الذين يبحثون عن بيت للإيجار في مكتب عقاري سألناه عن وضع الإيجار وحاجته له فقال:
أنا تاجر من مدينة حلب وأقطن في هذه المدينة منذ سبع سنين كونها آمنة، وقد أحضرت أسرتي معي وتنقلت بين عدة مناطق سكنية أملاً في الحصول على مسكن جيد تتوفر فيه المواصفات التي تكون ضمن العرض أثناء الإيجار، ولكن دائماً أتفاجأ بأن واقع المنزل عكس ما كنت أرغب وأضطر لإصلاحه حتى انتهاء مدة العقد ومن ثم تعود رحلة البحث عن مكان آخر، وقد تنقلت بين عدة مناطق كالطابيات والمشروع العاشر وشارع بغداد، وفي كل مرة نفس المشهد يتكرر معي والفارق هو ارتفاع جديد في الإيجار.
أمّا السيّدة منال فهي موظفة قادمة من مدينة الرقة كانت تبحث عن مسكن للإيجار لمدة طويلة كونها تعبت من التنقل خلال العام لمرة أو مرتين وما ينجم عن هذا التغيير من كلفة مادية وعذاب إضافي ،حيث أصحاب العقارات الذين يقومون بالتأجير مع أصحاب المكاتب العقارية في كل فترة يقومون برفع سعر الإيجار أو المطالبة به بحجة البيع وهم وجدوا من يدفع أكثر في الإيجار ولا يراعون حالة المستأجرين.
في المشروع العاشر الذي شهد خلال سنوات الحرب ازدياداً في عدد المكاتب العقارية فكان للعقار المعد للتأجير نصيبه في الأرقام الفلكية والتي جاوزت سعر المئتي ألف ليرة للشقة شهرياً.
وفي سؤال لأحد المستأجرين برقم المئتي ألف عن وضع شقته قال: توقعت أن أجد مواصفات توازي هذا السعر ولكن المفاجأة بأن المنزل تتوفر فيه المواصفات عرضاً فقط وليس عند استخدامه، فالأدوات الكهربائية معظمها معطلة وتحتاج لتصليح أما باقي الأساس فكان عادياً.
وبرأي أصحاب المكاتب العقارية فإن ما يشهده سوق الإيجارات هو حالة طبيعية، فالشقة السكنية تضاعف سعرها خلال سنوات الحرب بشكل كبير وهذا يؤدي إلى غلاء في الإيجار ليناسب سعر العقار.
أحد أصحاب المكاتب العقارية في المشروع العاشر قال: إن استئجار أية شقة سكنية في الأبنية أقل سعر لها نحو الخمسين ألفاً، وتكون بمساحة صغيرة جداً، أما الشقق الفارهة فلا يقل آجارها عن المئة وخمسين ألفاً شهرياً، كما هو الحال في مشروع الزراعة والأوقاف، فالشقق السكنية على ضيق مساحتها أو كبرها لم نشهد فيها سعراً أقل من مئة ألف شهرياً، وحلم استئجار منزل مقبول بسعر معقول أصبح ضرباً من الخيال والتخمين المالي النظامي غائب، مما دفع بالوافدين بالعودة إلى منازلهم على أنقاضها، فأسعار الإيجارات الفلكية لم تترك بالجيب السترة وجشع التجار امتصّ كل ما لديهم من مدخرات، وحتى القاطنين من أهل المدينة أو الراغبين باستئجار منزل بسعر مقبول ولو في الضواحي أو حتى القرى القريبة فحلم بلا أمل.
سهى درويش