وقـال البحــــــر…التفـــــوق

العـــــدد 9379

 3 تموز 2019

 

جاءت الحياة المعاصرة بمختلف أنواع النعم والنقم كما وصفها الرحالة ابن بطوطة، ويعتبر تفوق الأغنياء الدائم على حساب الطبقات الفقيرة من أبشع صور التفوق المادي في حياتنا الاقتصادية والاجتماعية، ولا يمكن إيجاد معادلة صحيحة لهذا التفوق السلبي إلا بمحاولة إزالة الفوارق الطبقية والقضاء على الاستغلال وإمكانية خلق مجتمع تسوده العدالة الاجتماعية.
يمتاز الذين يسعون إلى النبوغ والتفوق في مجالات البحث بأسلوب التسامي عن الذاتية من غير هدف أناني أو نزوع إلى استعلاء، ويحدوهم الشعور الجاد بالإسهام في أداء الرسالة العلمية والثقافية والإبداعية التي تناط بكل شخص يجد من ذات نفسه الدافع لأن يقوم بدوره الإيجابي الصادق نحو مجتمعه الإنساني، ومن الملاحظ أن أمثال هؤلاء يغرقون أنفسهم وسط تراكمات ضخمة وكبيرة وجلائل الأمور التي تستهلك كل أوقاتهم وتلتهم حياتهم ولعله من أبرز أولئك هم فئة العلماء المتفرغين للتفوق في البحث، وهمهم الرئيسي أن يقضوا أعمارهم وسني حياتهم لخدمة الإنسانية ومنفعة الناس جميعاً.
قامت الحضارة العلمية الحديثة على أكتاف تفوق العلماء، حيث أنه ما من مطلع شمس أو غروبها إلا ورافق ذلك اختراع جديد أو اكتشاف متميز وفتح مبين في مجال التقدم والرقي والرخاء، وهؤلاء العلماء بالفعل هم الجنود المجهولون بثمار مخترعاتهم وحسبهم أن يصنعوا الحياة لنا والعيش لينفعوا غيرهم وما لهم من ذلك أي مطمع، والتفوق من هذا المنظور محمود ومرغوب ولذا يجب التشجيع على غرسه في النفوس بشكل فعال.
يتوجب إضافة الأدباء والكُتاب لفئة العلماء، لأن مقياس التفوق الحقيقي عند هؤلاء هو في قيمة ما يكتبون وما يحسنون من ضروب القول، وهنا يكمن السر في أن بعض رواد القلم سرعان ما يدخلون رحاب الخلود من أوسع الأبواب.
لم يكن الباعث على التفوق في شتى ميادين المعرفة والعلوم هو نيل الألقاب لغاية في حد ذاتها، فالحقيقة أن رسالة العالم والمثقف تستلزم العطاء بعد الأخذ، وهو شعور ينمو ويتزايد كلما حصلت الكفاية واطمأن المتفوق إلى زاده، والتفوق الحاصل ليس علامة مميزة تخص الفرد الناجح وحده بقدر ما هي ميزة مشتركة بين أبناء فئته وبين أبناء الإنسانية جمعاء.
تلعب المرأة دوراً كبيراً في إكساب الرجل عنصر التفوق، ويعتبر التأثير السحري للمرأة في صنع التفوق مرهون بوجودها ويزول بزوالها في أغلب الأحيان، وهناك وجه آخر للتفوق تكون فيه المرأة خلفيته الصلبة وذلك ما يتعلق بنجاح وتميز وتفوق شخصيات في العديد من المراكز والمفاصل الحياتية والقيادية تأكيداً لمقولة: (وراء كل رجل عظيم امرأة)، و قد سجل التاريخ أسماء لامعة لنساء شهيرات كتبن سطور صفحات مجيدة ارتقت بأصحابها إلى مراتب التفوق ومكنتهن من اجتياز العراقيل وتخطي الصعاب بفضل الخبرة والحنكة وعمق التجربة.
وأخيراً فإن أعظم فوز معنوي يحققه الإنسان في حياته هو تفوقه على نفسه وحملها على التحلي بما يزينها، وبذلك يعيش المرء سالماً غانماً ويكون القول فيه جميلاً.

د. بشار عيسى

 

 

تصفح المزيد..
آخر الأخبار