الوحدة : 14-5-2024
ليس غريباً أن يجعل الإيرانيون تاريخ ميلاد الشاعر الملحمي أبو القاسم الفردوسي يوماً للغة الفارسية، فالفردوسي (٩٣٥- ١٠٢٠) المولود في قرية (باز) يعد أبا الشعر الفارسي، إذ خلَّف مأثرةً من أهم مآثر الثقافة الإيرانية وهي: (الشاهنامة/ كتاب الملوك)، وهي ملحمةٌ شعريةٌ أمضى ثلاثين عاماً من حياته في إنجازها، ضمت ما يقارب ستين ألف بيت من الشعر على وزن البحر المتقارب والقافية المزدوجة مصوراً فيها التاريخ الإيراني منذ البداية خلال أربع سلالات من ملوك الفرس هم: البشدادية والكيانيون والأشقانيون والساسانيون، هذا التصوير جعل الشاهنامة أثراً خالداً، وشاهداً أصيلاً على جماليات اللغة الفارسية، إضافةً إلى عدِّها ملحمةً وطنيةً وإرثاً حضاريّاً لما تضمنته من قصصٍ وأساطيرَ وطنيةٍ، وتسجيلٍ للأحداث التاريخية التي عاشتها إيران في عصور سابقة، كما تتضمن التقاليد والسنن الإيرانية القديمة، وموضوعاتٍ وجوانبَ أخلاقية، ودينية واجتماعية مليئة بالعبر والمواعظ والدروس التربوية والحكم والوصايا والنصائح.
ولأن الفردوسي كان من المؤمنين بالإسلام، فقد دعا إلى الخوف من العقاب الإلهي، وإلى الصبر، والعمل الصالح، والاعتدال في الحياة، ومجالسة العلماء، والعارفين، والابتعاد عن الجهلة.
وفضلاً عن ضم الشاهنامة أشعاراً حماسية، وقتالية، وسردها الملاحم البطولية والأسطورية، وتسجيلها الوقائع التاريخية، فإنها تعدٌّ خزاناً من الدرر الثمينة المشبعة بالأخلاق والخصال الحسنة، وهذا يقودنا إلى الوقوف على جمالياتها الفنية.
وقد وازى دارسو التاريخ الأدبي الإيراني الشاهنامة بإلياذة هوميروس، لما فيها من قوة البيان وجزالة اللفظ، ودقة العبارة، وروحٍ ملحمية، حتى أطلقوا على الفردوسي: (هوميروس إيران).
ويؤكد نقاد الأدب أن الشاعرين الألماني “هنري هافيه”، والفرنسي “فيكتور هيغو”، تأثرا بالشاهنامة، وأثنى الشاعر الألماني “غوته” عليها، نختم بتأكيد أن الفردوسي على الرغم من اعتزازه بالماضي الإيراني الذي سبق الإسلام، فإنه كان فخوراً بإسلامه أيضاً، ولم ينظم ما يتعارض معه.
د. زكوان العبدو