هـل ينعـي الإعـــلام الرياضـي نفســـــه.. وحتــى لا نبقـــــى بـ «عـُقدنـــــــا» محاصريـــــن

العدد: 9374

 الأربعاء 26-6-2019

لن أضع نفسي خارج المعادلة (ولكم أن تنصفوني)، ولا أستطيع أن أجد منفذاً واحداً أدافع فيه عن إعلامنا الرياضي بكلّ مفاصله دون أن أنفي (بعض الومضات) بين الحين والآخر . .

لن أتحدث بـ (طوباوية مريضة)، وبذات الوقت لن أرضخ (وأنا أبرر) للظروف الصعبة التي ضاقت بنا قبل أن نضيق بها . .
أشعر وكأني (وأنا على أكثر من ربع قرن في هذه المهنة) أشعر وكأني في عراك طفولي في زقاق حارتنا الضيّق في الضيعة حيث كان كلّ منا يتوعد الآخر إذا ما مرّ من أمام بيته أو يهدده بإخوته وأبناء عمومته!
لا علاقة لما يلي بما أسفرت عنه مباراة الجزيرة والحرية والتي فاز بها الأول في الملعب بانتظار ما قد تسفر عنه لعبة، وما استفزّني هو انزلاق عدد من (الصحفيين) في مستنقع النظرة الضيّقة أو المدفوعة الأجر وهم يقفزون فوق الوقائع والقوانين لصالح الجزيرة أو الحرية، مستغلّين صفحاتهم الشخصية أو حتى الوسائل الإعلامية التي يعملون بها من أجل غايات دنيئة، تجعلنا نخجل من التسمية المشتركة بيننا وبينهم!
الصفحة الشخصية ملكك حين تكون ملك نفسك، أي عندما لا تكون عاملاً في الشأن العام الذي يفرض عليك موضوعية مهنية ولو في حدودها الدنيا . .

للأسف هذا الأمر ليس موجوداً إلا نادراً، وعندما يحضر تغطيه تلال من الانحطاط المهني المقيت.. هذا الانحطاط يذهب (مهنياً) في اتجاهين:
الأول: أن تضع في فريقك أو في الشخص الذي تدافع عنه ما ليس فيه، وأنت تعلم أنه ليست فيه، ولكن لا خيار أمامك إلا أن تفعل ذلك وقد سال لعابك لما في جيبه.
الثاني: أن تمنع على غيره أي جميل فيه، فتحطّ من قدره، وتقلل من أهميته، وكأن الدنيا لا تليق إلا بمن يدفع لك ويتحكّم باصطفاف حروفك الملوثة!

وفي الحالتين لا يمكن أن يتمّ تصنيف هذا العمل بـ (الإعلام)، ولا يمكن أن يمنح صاحبه صفة (إعلامي)، وأعتذر فـ (قطط الموائد) تزداد عدداً وتتواضع مكانة واحتراماً . .
من سيتضايق من كلامي فهو منهم (اللي فيه شوكة بتغزّو)، وبالنهاية أنا لستُ قاضياً، لكن عندما يعلق بك بعض الغبار لا بدّ أن تنفضه . .
حكاية المباراة الفاصلة التي جرت الإثنين سقطة كبيرة للقرار الرياضي، أما الرقص والتراقص في محرابها فهو مسخرة . . .
.. حتى لا نبقى بـ (عُقدنا) محاصرين!
الجانب الآخر من الوجع أو من المهزلة، مصطلحات كثيرة لا تنتمي إلينا انتشرت كالنار في الهشيم، فصار المنافس خصماً، والنادي كياناً، والجمهور أمّة، والصعاليك رموزاً، وقائل الحق شيطاناً، والسباب نهجاً، واختلاق المشكلات سلوكاً!
أسأل: ماذا جنينا من كلّ ما تقدّم؟ ومن أتعب نفسه بدراسة أو تقييم هذه التطورات؟
هناك حالتان إيجابيتان أتمنى أن يُكتب لهما النجاح في كلّ من حمص وحماة متمثلتان بدعوة جماهير ناديي كل محافظة للتشجيع معاً في المباراة النهائية لكأس الجمهورية بكرة القدم يوم الجمعة القادم (أزرق وأحمر حمص) و(أزرق وأحمر حماة) باعتبار ذلك خطوة مهمة لقادمات الأيام فلا يحضر جمهور حطين ليقف ضدّ فريق تشرين ولا يحصل العكس وهكذا في كل الملاعب السورية . . .
بدأت بـ (الجانب الآخر) فما هو الجانب الأول؟
الجانب الأول هو ما يحصل داخل البيت الواحد حيث يتموضع من يدعون انتماءهم لهذا النادي أو ذاك على عدة جبهات ولكل طرف فريقه الفيسبوكي وشلته بأرض الملعب وغير ذلك حتى لترى اجتماعات الإدارة وكأنها مجموعة قطط وفئران يتربصون ببعضهم البعض والسؤال: هل هذه هي الرياضة التي أغرتنا بمتابعتها؟
الوجع يمتدّ (كبقعة زيت)، من النادي إلى المنتخبات الوطنية، ولا يرتبط الأمر بمستوى مدرب أو لاعب أو إداري وإنما بهوية هذا اللاعب وذاك المدرب وهل هو من محافظتنا أم من محافظة أخرى؟
ثلاثة عناوين بشعة تقدمت على غيرها في المشهد الرياضي وهي مناقضة تماماً لجوهر الرياضة نتمنى أن نستطيع تخفيف حدتها إن لم نتمكن من التخلّص منها نهائياً:
أولاً: الناديوية الضيّقة
من منّا بلا انتماء ناديوي فليرجم غيره، كلّ منا يعشق نادياً معيناً وينحاز له ويتمنى أن يحرز جميع البطولات المتاحة وأن يكون لاعبوه هم الأفضل وغير ذلك، ولكن إن لم يكن هذا فهل تقابله حتماً محاولة طمس أي حالة إيجابية في أي نادٍ آخر؟
المسألة في رياضتنا تتخذ طابعاً غريباً تتعدى (التعصّب) إلى حالة مرضية لا ينتج عنها إلا السباب والشتائم والإهانات والتي تطال أحياناً رموزاً رياضية مثّلت المنتخبات الوطنية أو شخصيات لها حضورها الاجتماعي، وقد يطفو على السطح مراهقٌ يقذف بسمومه شخصية عامة تفوق والده سناً!
ثانياً- في البيت الواحد
أو في المدينة الواحدة والتي يوجد بها فريقان، قد يكون كل أخ من عشاق فريق مختلف عن الآخر فهل ننسى إننا أخوة.. يا أخي افرح بما يحققه فريقك، ألا يكتمل فرحك إلا بالإساءة للفريق الذي قد يشجعه أخوك . . عشنا حالات كثيرة أدت إلى فرقة وغربة بين أهل البيت الواحد أو بين زملاء العمل بسبب هذا النوع من السلوك!
ثالثاً- في المنتخبات الوطنية
حتى هنا لا نعرف كيف نلتقي! وشخص واحد قد يقودنا إلى مهاترات تستمر شهراً أو أكثر . . أحدهم يسأل: أين كوادر الاتحاد في المنتخبات الوطنية، وهذا يكفي لبدء حملة الشتم المقرف على اتحاد الكرة وعلى كل الأندية الأخرى!
وعندما تطلب منه أن يلتفت بموضوعية إلى الأمر يقول لك: لماذا نصف الكوادر من نادي الوحدة على سبيل المثال، أي أن المشكلة ليست في ضعف مستوى هذا الكادر بقدر ما هي (هوية وجغرافيا ونادٍ)!
غياب (المتعة) وضعف الإدارة
بالطبع لم تأت هذه التفاصيل من فراغ، وقد تقاطع ضعف مستوى أداء فرقنا وبطولاتنا المحلية مع ضعف العمل الإداري بدءاً من روابط المشجعين وحتى إدارات الأندية ليخلق هذا الواقع، أما لو كانت فرقنا تقدّم الحدّ المقبول مما يبحث عنه الجمهور لما وجد هذا الجمهور الوقت الكافي لتلك التفاصيل، ولو أن هناك إدارات تجتمع مع ممثلي جمهورها وتطلب منهم الهدوء وتضع لهم عناوين واضحة للتشجيع لما انصرفت إلى الإساءة لغيرها، أضف إلى ذلك أن حالة الفوضى العامة في العمل الرياضي شكّل تربة خصبة لظهور ونمو هذه السلوكيات، وبالتالي فإن الحل يجب أن يبدأ منها من خلال مراجعة عملها وتقييمه والاقتراب من المزاج الشعبي في ميادين الرياضة، وأن يتواضع القائمون على رياضتنا ويبدوا احتراماً لهذا الجمهور الذي يدفع من جيبه من أجل أن يتابع المباريات ويرافق فرقه من مدينة إلى أخرى، فربما يخفّ الاحتقان، وتصفو الأنفس، ويدخل إلى الملعب التشريني مع الحطيني وهما يمزحان ويتراهنان على النتيجة دون قذف حجارة أو زجاجات فارغة!

كتب: غانــــــم محمـــــد

تصفح المزيد..
آخر الأخبار