التصويرة (الهايكو) في الشعر العربي.. حوار مع الشاعر والناقد العراقي علي محمد القيسي

الوحدة : 23-4-2024

بعدما عرف هذا الجنس الأدبي الذي انتشر بين عدد من الكتاب والشعراء العرب باسم (الهايكو)، اقترح الناقد الشاعر علي القيسي من العراق الشقيق تغيير تسمية نصوص(الهايكو) إلى نصوص (التصويرة)… حول ذلك التغيير وقضايا أخرى كان لنا هذا الحوار معه، إذ قال:
وجدت أن هناك حاجة ملحة للنص القصير نتيجة تحولات الذائقة الأدبية ولهذه الحاجة أطلقت مفهوم “التيك أوي الأدبي” بكتابة نصوص وجيزة غير محددة التجنيس، فقط نصوص مكثفة جداً يمكن أن تعطي تأويلات مفتوحة بعض منها ساخر والآخر جاد.
لكن النقطة الفارقة كانت عام 2004م عندما أسسنا (نادي الأقلام ) وكنت مسؤول النص الوجيز فيه، ومن المصادفة حصلت على كتاب تاريخ الأدب الياباني، ووجدت نص الهايكو وتبينت كم هو قريب مما أكتبه، ولعل هذا الكتاب عمّق لدي أو لدى الرواد العرب للهايكو حالة الانبهار من اليابان، وطريقة كتاباتهم وأنواع الأجناس الكتابة لديهم، و لعل هذا الانبهار هو ما شدنا للهايكو بشكل كبير جداَ، كأننا من الساموراي وصار هاجسنا الحصول على مصادر أكثر عن الهايكو..

– لماذا إذاً غيرت التسمية من الهايكو الى التصويرة؟
حين أسس عزرا باوند مدرسته التصويرية على أساس مشتق عن الهايكو، كان ذكياً جداً إلا أن ضبابية الهايكو في وقتها، وعدم سماح اللغة الإنكليزية، اضطره أن يؤسس مذهباً جديداً في الشعرية العالمية من مرتكزات المشهد… نحن وبعد عقد من كتابة الهايكو وتوظيفه والعمل على التنظير والنقد ليس من الممكن أن نعيد بناء النص بشكل مغاير عن تلك المرتكزات، إلا أننا عملنا على الواقع العربي وكيف نوجد أرضية خصبة لهذا الوافد.
التصويرة أيضاً مشتقة عن الهايكو بكل أجناسه في بلاغته المشهدية وبذات الأسلوب النقدي المتبع خارج اليابان من بنية وتقطيع وباقي الخصائص بتسميات عربية، فلغتنا قادرة على تعريب كل شيء. وأكيد في كتاب (الهايكو من مترو باريس إلى البيان الشعري في بغداد). نشرنا تعريباً لكل تقنيات الهايكو ومصطلحاته إلا أن العقبة الوحيدة كانت لدينا هي اسم النص… أنا على يقين أن هناك من يعارض التسمية وهذا حقه إلا أننا اصطدمنا بمعنى العنوان ودلالاته في اللغة العربية، وللتجنيس لا ننظر إلى رفاهية الاسم المستورد بقدر إيجاد مرادف يحقق الغاية المرجوة من النص العربي وإن أخذ مساحة عالمية. كلمة هايكو لم ولن يعطينا أي كاتب معنى له خارج اليابان ما لم يعد إلى أصل التسمية داخل اليابان بالتالي إن أردنا العمل تحت التسمية يجب أن تكون نصوصنا ضمن خصائص تلك التسمية التي لم نصل إلى مستواها كما الشعر العمودي أمام اللغات الأخرى، لذا إن طالبنا ترجمة الشعر العمودي إلى اللغات الأخرى أيضاً لن يكون بخصائص اللغة الأم بل سيكون النص ترجمة تفاعلية إن لم يكن ترجمة حرفياً، لذا لن يقال عنه نص عامودي بالتأكيد. وهذا ما حدث مع الهايكو فكانت التصويرة هي الحل برأيي ورأي أغلب النقاد في العراق ليس أمام الهايكو فقط بل في جميع الأجناس المستوردة كالشعر الحر أو النثر والشذرة.
إن التصويرة، هي مشتقة من الهايكو إلا أنها تمثل العرب فقط في التعاطي مع النص وأعتبر هذا انفراداً وانعطافاً مهماً للتقبل من الشارع الثقافي والمتلقي على حد سواء.

– في اللاذقية حي شعبي كبير اسمه الدعتور، ارتأت الجهات المعنية تغيير اسمه و تحديثه إلى أوغاريت،
وعلى الرغم من مضي أكثر من عشرة أعوام على تغيير الاسم مازال العامة يطلقون عليه الاسم القديم نفسه، حتى أن وسائط النقل العامة منذ أكثر من عشرة أعوام لاتزال لوحاتها تحمل عنوان أوغاريت وبين قوسين الدعتور سابقاً، أعتقد أن أكثر من تسعين بالمئة من سكان اللاذقية كيلا أقول مائة بالمائة لايعرفون، و إن عرفوا لن يعترفوا بالاسم الجديد..
السؤال الآن… ألا تظن الأمر مشابهاً لتغيير اسم الهايكو، ما الفائدة من تغيير الاسم إلى التصويرة إن كان سيقترن بالقديم لتوضيحه؟
نعم كنت أعلم أني لو حاولت تغيير كلمة هايكو في اليابان أكيد سأتعرض لهذا الموقف، وإن حدث التغيير بارتباطات مشابهة انسلخت عن كلمة هايكو كالسينريو مثلاً والجنداي، إلا أنها اعتبرت مواكبة للحداثة لأنها تحمل الخصائص البنوية ذاتها… واحتاج الأمر لجرأة و بالتالي أصبح هناك سنريو وهناك الجنداي وهناك الهايغا، كلها تشير إلى الهايكو، بتسميات مغايرة وعنونة مغايرة، لذا وجدت من الطبيعي ونحن نعتمد بنية الهايكو خارج اليابان فقط أن أجعل النص عربياً خالصاً اسماً ومسمى، والجميع يعلم أن كلمة طفل الرماد هي الترجمة الحرفية لكلمة هايكو و لا تمثل الهايكو إلا في اليابان، والإبقاء عليها يجرنا للتقليد فقط، بعيداً عن إبداعنا العربي وعمقه الحضاري.

Batool, [23/04/2024 12:09 ص]
** لغة هناك التعريب و الترجمة و الاقتراض، لو طبقنا الحالات الثلاثة على الهايكو كيف ستكون النتيجة؟
– إن استيراد أي جنس أدبي يعتمد الابتكار على الرغم أني حاولت أن أشرع بما ذكرتيه، إلا أني وجدت أننا سنكون تبع هزيل لتسمية لا مرادف لها في لغتنا، وإن في تراثنا تسمية التصويرة شائعة في مصر والمغرب العربي واللغة الدارجة في العراق، والفصيحة أيضا (صورة)، ولأنه أدب جديد وجدت من الملائم أن تكون له تسميته الخاصة كتوقيعة المناصرة، واللافتات لأحمد مطر، والبرقة والومضة كلها دالة على نصوص وجيزة سريعة مقتضبة مكثفة، فلمَ لا أبتكر الأقرب للجنس، ونحن أساس لن نأخذ منه غير المشهدية، وتحويلها إلى صورة بالكلمات وإعطائها وصف يبنى على الموصوف، بالتالي الابتكار هو الأمثل في هذه الحالة مثل قصيدة النانو لأسعد الجبوري.

Batool, [23/04/2024 12:09 ص]
– يقول أدونيس: “ليس هناك تطابق بين لغة ولغة، لا في تركيب الجملة، ولا في علاقة الكلمة بالكلمة، ولا في العلاقة بين الكلمة والشيء، ولا في الموسيقى اللغوية، أو في الصورة الفنية. انعدام هذا التطابق يدفع بعضهم الى ترويض لغته الناقلة، وجعلها تستسلم كلياً للغة التي تنقلها بحيث تصبح الترجمة نوعاً من الاستنساخ، بحجة الدقة والأمانة والعلم ـ وما إلى ذلك من الحجج التي تُقال، خطأ في غير مَوْضعها.
وتأتي هذه الترجمة مضحكة، إجمالاً، ليس في شيء من الشعر، وإن كانت «أمينة» و «عالمة»، وبعضهم، وأنا منهم، يرفض هذا الاستسلام، يحاول أن يخلق بلغته الناقلة لغة لا تكتفي بأن تعادل اللغة المنقولة، وإنما تحاول كذلك أن تتفوّق عليها، تعويضاً عما لا يمكن تداركه في اللغة المنقولة.
*** هل تتفق مع ذلك أستاذ علي …بمعنى كم يشبهك هذا الكلام؟
– هذا الكلام لا يشبه تصرفي فقط إنما هو ما فعلته بالضبط إن الولوج إلى خاصرة الأدب العربي أبداً لم يكن يوماً بالتقليد والدليل ما فعله السياب ونازك الملائكة من ابتكار من الاسم حتى الفحوى، وهذا بالضبط ما أريده من التسمية.
ولعلنا متفقون على أننا نحاكي النصوص اليابانية المترجمة للعربية والتي فقدت إيقاعها الصوتي، وبنيتها وحتى نظمها في اليابان، أي أننا أمام نصوص لا علاقة لها بالنص الأصلي هي تحولت إلى عربية محض ونحاكمها بنقد من خارج أسوار النص الأصلي.
وهنا يجدر بنا أن نفكر إذا كان النص عربياً ونقده عربياً وتنظيره عربياً أيضاً لمَ أبق نفسي في دائرة التقليد، هذا إذا ما علمنا أن الأصل لا يعترف أننا نكتب الهايكو،أي لا يوجد هايكو خارج اليابان ؛لذا وجدت من الأنسب أن نستقل بإبداعنا بتسمية ما نكتب بعيداً عن تبعية مرفوضة من الآخر وأن نجتهد على نصنا العربي ونقدمه على أنه أدب خاص بنا.
*** اذا كان هذا ما تقوله عن الهايكو أعتقد أننا لاحقاً سنلاحظ قبولاً عندك للأنسنة وغيرها من مكروهات الهايكو غيرنا النظم و الإيقاع ..غيرنا الاسم …نحن في طريقنا لتغيير القواعد كلها.
– بالعكس أنا ماض في الخصائص ذاتها التي كنا نحاكم فيها النصوص من عدم جواز المجاز وقبول الاستعارة والتنحي وعدم التجسيد لأنها العمود الفقري للتصويرة أي مشهد مأخوذ من الواقع لم تخضع “للفوتو شوب” وان خضعت ستكون بشكل لا يغير من طبيعة المشهد والسبب بسيط.
إنني لا أريد العبور إلى جنس آخر ،فالومضة موجودة وكذلك الشذرة وهذه الأجناس الأقرب.
إن التحدي الأجمل في النص هو خلوه من كل المحسنات والبديع والصعوبة فيه، أن نخلق دهشة من دون الاعتماد عليها فكيف أقبل الازدواجية بين الأجناس الأدبية، إنني لن أغير من الخصائص المعروفة للجميع، والتجريب متروك لمن يسعى فيما بعد، أضمن أن النقاد قادرون على تميز الأجناس وتداخلها فلن تنطلي عليهم بالتأكيد خصوصاً أني ساحافظ عليها في التصويرة،هذا من باب، والثاني جميع الأجناس المستوردة كالقصة والقصة القصيرة جداً والرواية والمسرح جاءت مع أسلوبها النقدي فلم يتم تغيير الأصل منها نقداَ أو كتابة.
** شكراً لمعلوماتك القيمة ،تمنياتنا بالتوفيق.

حاورته تغريد نديم عمران.

تصفح المزيد..
آخر الأخبار