فتيات السجاد يكسبن قضية التعيين والتثبيت ويستغنين عن الزواج!

العدد: 9372

الاثنين 24-6-2019

 

في مكان مغلق بعيد عن الرجال وسط ضجيج صمتها أمضت أكثر من أربعين سنة، تزيح طرف عينيها وبصرها عن الدنيا، وتطرقهما في عمل لا يخلص حتى انتهاء السجادة التي تقوم بحياكتها وغرز حكايتها وتصاوير نقشها، عاندت ظلمها وتصابرت على مأساتها، وتكابرت، وترى جميعهن يداومن بوظيفة ثابتة، وبأجر شهري، وهي تطوي سني عمرها المرهونة بسجادتها التي فرشتها على متسع أيام شتاء طويلة لا صيف ولا ربيع فيها، ومدت خيوطها على فصول عمر فات، ليأتي اليوم قرار قضائي يفك رباط قيدها فتدون اسمها وحضورها في جداول هذه الحياة. فتيات لا يتجاوز عددهن العشرة في صالة واسعة، واحدة أو اثنتان منهن على كل نول والعدد خمسة.

 

عواطف منصور تجلس على النول وتغطّ في الشغل بلا هوادة (لكن فرحتها لا تعطيها لأحد) كما قالت، فقد جاء تثبيتها بعد كسب الدعوة القضائية مع رفيقاتها، وأصبحت موظفة مثل كل الفتيات الموظفات في المؤسسات ودوائر الدولة، اليوم هي بهوية موظفة، ولها الحق في راتب كل شهر وإجازات وغيرها، تقول: أخيراً وبعد 25سنة أصبحتُ موظفة، كان عمري لا يتجاوز 14سنة، ولم أحظ بشهادة دراسية حين طرقت باب العمل في هذه الوحدة، بعد أن خضعت لدورة تدريبية لصناعة السجاد اليدوي، أنا مرتاحة جداً في هذا العمل ولو كان متعباً ومجهداً، ويتطلب الكثير من المهارة والانتباه، حيث الدقة فيه واجبة، ويحتاج إلى عد العقد والتلوين، والتحقق من الصورة والخطط، أفضّل هذا العمل على أن أجلس في البيت دون فائدة، كما أنه بعملي يطمئن قلبي وأحقق ذاتي، ولا أكون عالة على أحد، واليوم انفرج كربي بتثبيتي في الوظيفة، ولم يعد يهمني إن تزوجت أو لا، فمثلي كثر وخاصة هنا رفيقاتي، يبدو أنه قدر فتيات وحدة السجاد.
براءة قاجو، طالبة جامعية سنة رابعة (فرنسي) تشير بأنها على وشك التخرج، لكنها لم تنتظر ذلك، وقد لاقت فرصة عمل وضمنتها ولو كانت في صناعة السجاد فهي لا تعوض، ويمكنها بعد التخرج أن تعدل وضعها الوظيفي وتنتقل للتعليم، فمن المؤكد أن وحدة السجاد ليس مكانها أو الطموح والحلم، وهي ترى فتياتها قد قضين عمرهن وشبابهن فيها ودفنَ أنفسهن بالحياة، اليوم تعينت بمسابقة لوزارة الشؤون براتب شهري قدره 27500 ليرة والحمد لله.

هانية محفوض قطعت عليّ حديثي مع الفتيات حين ملّت الانتظار في أن يأتي دورها بالحديث، وفي فمها الكثير من الكلام بلعته لسنين طوال، ويخرج لتروي قصتها التي بدأت منذ 42 سنة ولم تتغير إلا اليوم، حيث بادرتني بالقول: (عانس) هي صفة تلحق ببنات السجاد، هنّ رهينات هذا العمل وفي معتقل أيامه، ولا يمكن أن تنفذ غير من تعي حقها ونفسها وتخرج من باب هذا المعمل فلا تعود، ولكل قاعدة شواذ، (عمري كلو راح ببلاش) هكذا تبدأ حكايتها، وأشارت بأن عندها خدمة 42 سنة شغل، وهي مرابطة على خطوط طولية من الصوف لنسج السجاد في هذه الوحدة، من الصباح وحتى المساء لأجل أن تسارع في حياكة سجادة يمكن أن تستهلك سنة من طاقتها وأيامها لتنال مبلغاً عليها قدره 26ألف ليرة لا غير، وتؤكد أنها أكبر عاملة هنا، ولم تكن تحظى بوقت وفرصة للتفكير بنفسها ويدركها الشباب ويفوتها قطار الزواج دون أن تدري، إلى أن جاءتها رفيقتها ناديا بقصد رفع قضية لأجل التثبيت ويصبحن موظفات كما في كل الدوائر والشركات، فتنال حصتها فيها ونصيبها براتب شهري 31500 ليرة على عقد سنوي بأمر إداري.
بدأت العمل ولا يتجاوز عمرها 13 سنة كانت صغيرة ووالدها متشدد (دقة قديمة) لم يكن يرضى بعمل لها غير ما هو في السجاد، حيث جميعهن بنات، وفي المكان هدوء واطمئنان، ليصبح عملها كل ما في حياتها ومكانه هو بيتها تربت فيه وكبرت مع زميلاتها بل أخواتها وأهلها (كما تقول) يتشاركن وجباتهن وهواء أنفاسهن، كما يتقاسمن العمل ويوزعن الأدوار، وإن انتهت قطعة من السجاد المطلوبة كانت الواحدة منهن تطالب بحصيلة تعبها وتسأل المحاسب ليعدها بالغد وبعد غد تعود للسؤال فيرد عليها: لا توجد ميزانية اذهبي للمحافظة و(جيبي مناقلة)، وبين شدّ ومدّ يطول اللعب على الحبل وتمضي شهور، وعلى الوعد يا كمون إلى أن تفوز بأجرها السنوي، 42سنة تعمل وهي مغمضة العينين عما حولها إلى أن جاء من أيقظها ورفيقاتها على أنهن موظفات لهنّ الحق في أجر شهري، وكان لهنّ بعد الصبر الفرج في التعيين بعد حكم قضائي لم يمض غير أسبوع على التعيين بعقد دائم مع زميلة واحدة فقط، ولم تقبل الأخريات لأنهن قبلن على أمر إداري، وتؤكد أنها لا تفكر بالخروج من عملها وليس في حسبانها أن تتسرح وتهجر بيتها، شغلها هو دمها الذي يجري في عروقها (ما وراها ولا قدامها).

تشير (هانية) بحسرة وألم أن أحداً لم يتذكرهن في تكريم، غير مرة من نقابة الغزل بشهادة تقدير افتخرن بها، ولطالما كنّ خلف ستار الحياة وشاشات عرضها، حاولن الظهور مراراً كثيرة على كاميرات التلفاز وحظين بالفرص لكنها لم تجد طريقها للعرض طويت ولم يشاهدها أحد أو يسمع عنها.
الفتيات الجدد قدم لهنّ كل شيء (على طبق من فضة) ودون معاناة (بمسابقة) وكان لي الأحقية في أن أكون إحدى المدربات، أملك من الخبرة والمعرفة ما يؤهلني لهذه المهمة، لكنّهم فضلوا علي مدربات من خارج المحافظة، الجميع يسأم من كلامي، لكنّ لي الحق أن أتحدث عن وجع طالنا لأكثر من 40 سنة ولم نكن لنلفت انتباه أحد، فقد كنا نعمل بصمت.
ناديا فاضل: أكثر من 38 سنة أمضتها بالشغل ودنت من موعد تقاعدها تبدأ قولها بعبارة (ما عمرنا حكينا وشكينا حدا) إلى أن انتبهنا لصعوبة العمل الذي يستهلك أجسادنا ويفني أرواحنا، عندما قصدت نقابتنا وصرت عضواً فيها ونلنا المساندة منها، عندها وكلت محامياً من هذه المحافظة لكن خابت آمالنا ولم نلقَ منه مرادنا، سافرت إلى دمشق وقصدت الوزارة لأوصل صوتي للمسؤولين، بعدها وكلت المحامي عدنان الربيع وربحنا القضية، ليس لنا علاقة بالمسابقة، زميلاتي تم تعيينهن، لأننا نلنا قرار حكم قضاء دولة، 23 بنتاً رفعن الدعوى، لكن الذي جرى أن 16 فتاة فقط نالت العقد والتثبيت و7 بقين خارجها، وأنا واحدة منهن بحجة أننا جئنا العمل بأمر إداري فأوقفوا أمرنا.
أنا مشاركة بالتأمينات و(ما فارقة معي) تصدح بقولها وتتابع: جميعهن نلن حقهن وحرمت أنا فقط وسبعة في القرى من حقنا في التثبيت، فماذا يمكننا القول بعد كل هذا الغبن؟ الدعوة مستمرة وما يصبرنا أننا أسرة واحدة في جسد واحد إذا ما اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى.
المهندسة لجين انطلكي رئيسة التنمية الريفية في مديرية الشؤون الاجتماعية قالت: لدينا تسع وحدات سجاد موزعة في المحافظة، افتتحنا ثلاثاً منها وهي وحدة (نينتي، بستا، بسنديانة)، وتقام فيها حالياً ومنذ بداية الشهر دورة للسجاد اليدوي مع ست فتيات جدد مشاركات قابلات للزيادة والنقصان فقد انقطع الشغل فيها منذ عام 2005 لتنتعش وتفعل بدورات التدريب وتهيئ لطور الإنتاجية، لكن وحدة اللاذقية لم تتوقف أبداً، كما أن وحدة عين قيطة في جبلة متوقفة عن صناعتها وإنتاج السجاد لكنها تحولت لمخبز جراء عقد بين وزارتنا ووزارة التجارة الداخلية، وباقي الوحدات تشتغل لكنها تختلف في حجم الإنتاج وهو يتبع شغل الفتيات واجتهادهن أما حول موضوع المسابقة والدعوى لا أعرف التفاصيل كلها، كن عاملات إنتاج أي أنهن يأخذن أجراً على قطعة السجاد التي يخلصن من صنعها، والتأمينات كانت تدفعها العاملة، فمن كانت تدفعها والتي فيها حصة العامل وحصة رب العمل استطعنا دفع (حصة رب العمل) ليكون لهن التعيين في الوظيفة، ونحن ننتظر توجيهات وتعليمات الوزارة بشأن العمل وخطط حجمه ولا شيء جديد، اليوم باشرن العمل بعد مسابقة أقامتها وزارة الشؤون الاجتماعية في دمشق وكان فيها تثبيت عاملات إنتاج كنّ قد رفعن دعوة تثبيت للقضاء وربحنها إذ تجاوزت سنوات عمل بعضهن ( 30-40سنة ) بعضهن جاء تثبيتها وقد كانت منذ بداية توظيفها على عقد واثنتان جاء على أساس عملهما بأمر إداري، وغيرهن سبع عاملات لم تأت أسماؤهن في القضية وفي هذه المسابقة تم تعيين جدد 28 عاملة بعقود سنوية ليباشرن العمل منذ أسبوع وأكثر، ونحن بحاجة لهن جميعاً، نسوق السجاد عن طريق المعرض الدائم في المبنى وأيضاً إذا ما أتتنا دعوة لمعرض، ليس إنتاجنا قوياً حيث الأجور منخفضة والتي تدفع معظمهن للنفور والابتعاد، كما أن معظم الفتيات يسعين لنيل الشهادات الجامعية وهو ما يبعدهن عن هذا العمل كما أن قوة الشراء ضعيفة.
أما من جهة المدربات فقد رفعنا منذ أربع سنوات طلباً لحاجتنا إليهن في الوحدات، صحيح أن لدينا عاملات يملكن خبرة عشرات السنوات ولا تنقصهن الكفاءة لكن تنقصهن الشهادات وأقلها الإعدادية (تاسع) التي تدخل ضمن شروط قبول المدربات، ونحن كدائرة تنمية ريفية تأتينا عروض مهمة من جمعيات ومنظمات لنتعاون معها وتشاركنا عجلة التنمية وتوسع نطاقها لامتلاكنا منشآت موزعة في الأرياف مثل: منظمة undp والتي ركزت نشاطها بوحدة الشبطلية للصناعات الريفية حيث تحتضن صناعة الصابون ومعمل السجاد، وهذا المعمل ليس فيه عمال ولا عاملات ولا شغل ولا إنتاج، لكن في العام القادم لدينا خطة لإنعاشه وإعادة تشغيله، كما أن صناعة الصابون في الوحدة جارية حيث يوجد لها موظفون وإنتاج، المنظمة أخذت قسماً من المبنى لتعليم وتدريب جرحى الحرب على صناعة الشموع والصابون، وفي وحدة الحفة أخذت جمعية الحفة الخيرية قسم من المبنى لأجل مشغل خياطة، أما وحدة بسنديانة فقد فعلنا العمل فيها، وقمنا ببعض المراسلات مع المحافظة ومديرية الصحة ليكون فيها نقطة طبية بناء على توجيهات من السيدة الوزيرة، وأيضاً أتينا بماكينات خياطة عدها 10 ماكينات لأجل مشغل خياطة، هذا بالإضافة لصناعة السجاد لكن لا وجود لعاملات فيه، ونسعى للمباشرة بالعمل عما قريب، حيث شغلنا الشاغل وعملنا على تنمية الريف السوري ومساعدة المرأة الريفية يأخذ حيزاً هاماً من أعمالنا.
لدينا معرض للسجاد بجودة عالية في المبنى، وحركة الإقبال عليه جيدة لكن انتقاء السجادة واختيار نقشها يكون على توصية مسبقة من الزبون والزائر، ومعظم الزائرين والذين يأتون هم دكاترة الجامعة والتجار وغيرهم ليس بينهم غير قليل من الموظفين.
السيد مهند مدير المعرض أكد أن مؤشر المبيعات ينشط ويرتفع في الشهر العاشر من كل عام، وكل سجادة لها سعر ووزن وصنف ليكون الحد الأدنى لأجور المتر 6470 ليرة، وقال: السجاد لدينا يدوي على النول من الصوف والقطن وللزبون أن يختار طول السجادة التي يبغيها والنقشة التي تعجبه، وفيها التقسيط المريح على أربع أو خمس سنوات وليس من دفعة أولى حيث يعد القسط الأول هو بمثابة الدفعة الأولى، ومن الطبيعي أن يرتفع سعر السجادة حيث ارتفع سعر الصوف وبلغ الكيلو منه 2400ليرة.

هدى علي سلوم

تصفح المزيد..
آخر الأخبار