من قصصهن في عيدهن… (رحل السند ، فكانت الأم والأب )

الوحدة:21-3-2024

تهدهد وتناغي صغيرتها التي لم تكمل عامها الأول بعد، والأخرى متمسكة بطرف ثوبها، دموع تتساقط على منحنيات الوجه تُسكب على راحل انتظرته طويلاً لتُزف إليه قبل أن ينال المرض من جسده، ويغيبه الرحيل تاركاً طفلتين لا تدركان للأبوة كنهاً ولم تكد الذاكرة تستوعب خيال الوجه سوى ما بقي من صور معلقة على حائط الذكرى، وهذا الحائط لم يكن لتشفع صور راحلٍ علقت عليه حتى صدّعه زلزال وعاث في الذاكرة عبثاً ليعود لماض أُسس فيه البيت وجدرانه وضم امرأة مع طفلتين تواجه الحياة بتضحية الأم وألم فقدان السند والزوج والأهم افتقاد الطفلتين للأبوة فكانت هي الأم والأب.
السيدة س. م آثرت عدم ذكر الاسم في عيد الأم تحكي حكايتها وما بين الدمعة والدمعة تخرج الكلمات عنوة لتحيك لنا بضعة أسطر من حياة عمرها، سنوات طويلة مرت منذ وفاة الزوج بعد مدة لا تتعدى الثلاث سنوات من زواجهما إثر إصابته بمرض عضال والذي كان صديق طفولتها وزهرة شبابها ورفيق دربها وقد طال الانتظار ليتكلل بالارتباط المقدر له ألا يعيش دنيوياً ولكن كان ارتباطاً روحياً أبدياً لم ينته بالفقد والموت.
تقول: كبرت بناتي وكما يقال ربيتهم كل شبر بندر وبدمع العين رعيتهما والليالي سهرتها كما كل أم ولكن كنت الأم والأب، وبعد وفاة زوجي لم يكن للحزن متسع فكتمت حزني وألمي بداخلي لأن هناك ما هو أكبر من الألم وهو أن لدي طفلتان صغيرتان هما رصيدي في الحياة بعد والدهما، وامتداده في هذه الحياة وعلي أن أرعاهما ليكبرا ويحققا ما خططناه لهما، وكان لابد أن أعمل فلم يكن أمامي سوى العمل بالزراعة مع راتب تقاعدي للمرحوم ربيت بناتي بين فرج وضيق لتتعثر الأحوال وتضيق أحياناً وتفرج أحياناً، ولكن بالإصرار على أن أصل بهما بر الأمان وحتى لا تشعرا بالفقد حرصت على أن تعيشا السعادة والحياة الكريمة، فابنتي الكبرى هي الآن جامعية في السنة الثالثة ولكن ما يؤسفني أنها اضطرت حالياً أن توقف دراستها مؤقتاً نتيجة تردي الحالة الصحية لأختها الأصغر والتي وصلت للمرحلة الثانوية ولم يعد بمقدورها المتابعة فقد أصابها مرض التصلب اللويحي وأقعدها خاصة بعد أن تعرضت لكسر في قدمها استحال معه الشفاء وهي منذ خمس سنوات تستخدم كرسياً متحركاً قدمته لنا منظمة الهلال الأحمر وتحتاج منا مرافقتها بشكل دائم والرعاية الدائمة ولا تستطيع الأكل أو الشرب بدون مساعدة قلما ندر.
تتابع: وضع ابنتي الصحي رغم قساوته وصعوبته يدفعني للمقاومة للاستمرار بقوة أكبر يمنحني مزيداً من التصميم والإرادة لأبقى بجانبها متحملة الألم متحلية بالصبر أرسم الابتسامة على وجهي قبالة وجهها حتى لا تشعر بالأسى أداري دمعتي بحضرتها كيلا ينعكس ذلك على ابنتي الاثنتين فأنا أم وهو حق منحتني إياه الحياة ووهبني الله فلابد أن أكون ممتنة ويقال إن الله إذا أحب مؤمناً ابتلاه مختبراً صبره وإيمانه، فالبيت الذي يأويني مع بناتي تأثر بفعل الزلزال وتصدع ومن الصعب وصف الحالة التي عشتها مع بناتي في فجر ذاك اليوم وخاصة في مثل حالة ابنتي المريضة، وما نحن إلا عائلة من مئات العائلات التي تصدعت بيوتها وتهدمت ونتطلع لإعادة ترميمه كي يعود آمناً يضمني مع بناتي وأكون قادرة على المضي في رحلتي معهن إلى ما يشاء الله وأواصل معهن رسالة الأمومة المقدسة في شغف كأنهما مازالتا طفلتي الصغيرتين أهدهد إحداهن وأناغي أختها.

نجود سقور

تصفح المزيد..
آخر الأخبار