الوحدة : 30-1-2024
القِصص الحزينة والحرارة المنخفضة بدأت تُرخي بظِلالها الباردة على أهالي الأرياف والجبال الشرقية والشمالية العالية لمدينة اللاذقية.. عدّة عواصف ومنخفضات ماطرة، قدّمت لتلك المناطق وسكّانها عناوين قاسية، وضعتهم في مأزق لا يُحسدون عليه من حيث تدفئة أبدان أطفالهم وذويهم من كبار بالسن، فهم لم يكونوا سعداء بقدوم سعد الذابح وأيامه ال ١٣ ومفاعيلها الباردة التي بدأت تدكّ عظام الكبير والصغير على تلك الجبال والتلال البعيدة، وهذه الخمسون ليتراً من المازوت الممنوح لم تشفع لهم سوى لأيام معدودة، هذا إذا لم تُحرق بعد، ومبكّراً أتى السعد الذابح البارد ووضع سكّينه الحادّة على رِقاب أهالي تلك القُرى العالية التي تعانق الغيوم، فلبس بعضها الأبيض من الجولة الأولى بدون مقدّمات، وأصبح المجال مفتوحاً للقادمات من المنخفضات مجهولة الإقامة.
هذا الهاجس يُذكّرنا بأيام زلزال (شباط الماضي) والإقامات الجبرية بالعراء عندما بُنيت الخيام المؤقتة الإسعافية أمام المنازل، وكان وقود التدفئة فيها كُل ما هو قابل للاشتعال، كنعال الأحذية والثياب العتيقة، وذلك لتخفيف حدّة البرد الذي تراكم مع الخوف ورهبة (الهزّات) وهاجس غضب الطبيعة، ففي تلك الأيام كان كل شيء مُباح لأن المُصاب كبير، والهمّ الأكبر للجميع هو تأمين طعام الصغار وتدفئتهم وتجميع القوى المنهارة.
مازوت التدفئة الذي مُنح للأرياف مع الربع الأخير من العام المُنصرم – على الغالب – حُرق منذ وقت طويل لأن الشتاء هناك مُبكر جدّاً، وكذلك المازوت الزراعي يدخل في نفس المدفئة المشتعلة، وبالتالي لا يصحّ إلّا الصحيح (الحطب) الممنوع من التداول، والذي يدخل في حيز المخالفات وقِصص الحِراج وقوانينها الرادعة. بالمقابل هناك أسئلة واستفسارات عديدة، تعدُ مشروعة لدى سكّان الأرياف (المُتفرّجين) المُقيمين حول الغابات التي طالتها الحرائق، فلماذا لا تُقدّم جُذوع تلك الأشجار اليابسة لهؤلاء كعربون إنقاذ ومساعدة في هذا الوقت الحرج.
ولكي نقطع الشك باليقين، ما على المعنيين بأُمور توزيع وَقود التدفئة إلّا أن يخوضوا تجربة الحياة على تلك الجبال ليومين فقط، فهم سيكتشفون جبروت هؤلاء السكّان وقدرتهم على التحمّل، ويصبح من الحقّ والواجب تقديم العون لهم ولأطفالهم وإرسال الدفعة الأخرى من مازوت التدفئة، ولو على حساب سكّان المدن الذين ينتعشون تحت البطانيات؟!.
سليمان حسين