العدد: 9367
الاثنين 17-6-2019
تقع قلعة صافيتا في مدينة صافيتا في عمق المنطقة الساحلية، في الزاوية الجنوبية الشرقية لمدينة طرطوس، وتربض على قمم ثلاثة تلال وهي من الغرب باتجاه الشرق (البرج، التل، الضهر)، والأخير هو أعلى التلال ويوجد عليه مركز للأرصاد الجوية، يتوسط إحداها برجها الشهير الذي يرتفع عن سطح البحر (419 م)، وتبعد (27 كم) عن مدينة طرطوس.
تقع صافيتا في الجهة الغربية من مشتى الحلو وتبعد عنها مسافة (16كم)، وإليكم ما كتب (المهندس ملايتوس جغنون)عنه: ( يتربع برج صافيتا فوق هضبة مستديرة صخرية على ذروة أحد الجبلين التوأمين اللذين تقوم عليهما مدينة صافيتا اليوم).
يعد برج صافيتا الذي يبلغ ارتفاعه (28)م، أهم معالمها الأثرية.
وتتميز صافيتا بأنها ذات مناظر خلابة إذ تحيط بها تلال الزيتون والأزهار من كل جانب.
يتوضع (برج صافيتا) في أعلى قمة في المنطقة فوق هضبة مستديرة صخرية في الشعاب الجنوبية لجبال البهرة (الجبال الساحلية)، ويمكن بالعين المجردة من البرج رؤية القلاع التالية: (أرواد، طرابلس، العريمة، يحمور، أم حوش، العليقة، الحصن، صلاح الدين، الدريكيش وبرج ميعار شاكر) ويشرف على الساحل، ويعد منطقة وسطى بين (مملكة أرواد) و (حصن سليمان)، ومركز شبكة اتصال مع تلك القلاع بالنيران ليلاً والدخان نهاراً مما يرجح أنه كان محطة وموقع دفاعي لحامية كنعانية في مملكة أرواد.
كان لموقع البرج حساسية خاصة تميزه عن باقي قلاع الفرنجة كونه يتاخم مناطق سيطرة الفاطميين (قلعة مصياف، وقلعة قدموس).
أصل التسمية
عرفت المدينة بأسماء عديدة منها: (صافيتا) الآرامية وتعني الهواء النقي،.. و(أجيرو كاستون) البيزنطية، و(القصر الأبيض) أو (الحصن الأبيض) الفرنجية حيث كانت هذه التسمية تطلق أيام الحروب الصليبية، لأن الحجارة المبني منها هي حجارة كلسية بيضاء… حمل البرج، وهو حصن دفاعي للفرنجة، اسم (كاستيل بلانك) أي القلعة البيضاء.
لمحة تاريخية
لم يرد في المصادر التاريخية أي إشارة إلى ذكر تاريخ وبناء البرج، ولكن من الدراسات التي أجريت على البرج يلاحظ أن الأساس الذي بني عليه برج صافيتا (الذي هو مغمور تقريباً) هو أساس كنعاني، وبالتالي يرجح أنه قد بني في الفترة الكنعانية.
* كانت كونتية طرابلس هي أول من أنشأ حصناً في المكان بعد أن تمكن (ريموند دي سان جيل) من الاستيلاء على طرابلس من إمارة (بني عمار) التي حكمت طرابلس لصالح (الخلافة الفاطمية).
* لقد ورد ذكر البرج لأول مرة في المصادر التاريخية عندما جدد بناؤه الصليبيون، وفي عام (1166-1167) م احتله أتابك حلب (نور الدين الزنكي)، ولكن سرعان ما انتقل بعد ذلك إلى عهدة (فرسان الداوية) الذين جددوا بناءه بعد الهزة الأرضية التي حدثت عام (1170م)، وفي العام التالي شنّ (نور الدين الزنكي) هجوماً آخر في محاولة لاسترجاعه.
* وفي عهد ريموند الثالث كونت طرابلس في عام (1172م)، هاجم (الزنكي) البرج وأخذه عنوة.
* في عام (1188م) قاوم البرج الذي خضع لإعادة بناء ثانية بشكل مكثف، حصار (السلطان صلاح الدين الأيوبي) بنجاح خلال توسعه في سورية.
* في عام (1202 م) تم تجديد البرج أيضاً بعد هزة أرضية أخرى وعلى الأرجح هو التجديد الأخير في بنائه والمحافظ على شكله الحالي الذي يعود إلى تلك الحقبة الزمنية..
* في عام (1217م) احتلها (جاك دو فيتري) أسقف عكا اللاتيني وكان يرسل هذا الحمام الزاجل ليعلن عن تنقلاته وليطلب إرسال خفراء لملاقاته.
* في عام (1218م) شن (الملك الأشرف) سلطان حلب هجوم مضلل على البرج لإرهاق مؤخرات الجيش الفرنجي الخامس الذي كان في تلك اللحظة يحاصر دمياط.
* في عام (1271م)، حاصر الظاهر بيبرس البرج ، ومن ذلك التاريخ والبرج بيد العرب.
وكان البرج لا يزال في حالة جيدة حتى نهاية القرن التاسع عشر الميلادي ومن ثم بدأ سكان المناطق المجاورة ببناء المساكن المحاذية له والقريبة منه وضمن سوره وفوقه بحيث أصبحت تغطي قسماً كبيراً من معالم سور البرج حتى شكلت تلك المنازل بلدة صغيرة يطلق عليها اليوم اسم صافيتا نسبة إلى البرج.
بسبب أهميته الاستراتيجية تأرجحت السيطرة عليه بين العرب والفرنجة عدة مرات حتى استقر بيد العرب.
× في عام (1832م ) قدم (إبراهيم محمد علي باشا) إلى صافيتا، وأرهق السكان بالضرائب فثار عليه سكان صافيتا، وما أن عادت الضريبة حتى شهدت صافيتا انتفاضة شعبية ضد العثمانيين بين عامي (1858-1859)م، وعلى الرغم من تمكن السلطات العثمانية من قمعها بقسوة، فأُجبرت السلطنة على إعطاء حكم ذاتي للمنطقة، (كان يُؤتى بالثوار ويُلقى بهم من أعلى برج صافيتا في الوادي الشمالي)، وكانت ثورات عدة قد سبقتها في الأعوام (1703-1732-1733)م. ونتيجة لهذه الأوضاع تدنت الحرف وصناعة الحرير والنسيج، وهاجر إلى أمريكا الكثير من أبنائها.
المنظر العام
من جميع الاتجاهات يبدو البرج مرئياً ولكن السور الواقي الخارجي لم يعد مرئياً إلا بأجزاء قليلة منه بسبب البناء الذي شيد على جوانبه وفوقه.
الدخول إلى البرج يتم من البوابة المطلة على جهة الشرق، وهي ذات بناء مؤلف من طابقين لم يبق منه سوى الجدار الغربي وأطلال ذات عقود بدأت في أيامنا هذه تفقد معالمها شيئاً فشيئاً، أما البرج المحصن ويبدو من المدخل الرئيسي بشكل جيد جدرانه قد شيدت من قطع حجرية مربعة رائعة تظهر فيها آثار مميزة للإصلاحات التي جرت بعد الزلزال الأول عام 1170م والزلزال الثاني عام /1202 م/ الذي انهار خلاله الطابق العلوي وأجزاء من الزاوية اليسارية.
تصميم البرج وأقسامه الرئيسية
أبعاد البناء هي: الطول (31م)، العرض (18م)، الارتفاع (27م).
وجعلت سماكة الجدار (4.5م) لامتصاص قوى الدفع الأفقية حتى لا ينهار الجدار بسبب الارتفاع العالي، ورغم ذلك توجد جدران متشققة ببضعة سنتيمرات.
يتألف البرج المحصن من أربعة أقسام:
* الأساس الكنعاني وهو مغمور تقريباً، ولكن أساسه يظهر من الجهة الشرقية والشمالية.
* الطابق الأرضي وهو عبارة عن أقبية سقوفها نصف دائرية لها بوابات تؤدي إلى سراديب وفيها خزان ماء محفور بالصخر تم ردمه عندما بدأ السكان ببناء مساكنهم.
* الطابق الأول للبرج ويتألف من كنيسة تمارس الطقوس الدينية فيها حالياً.
* الطابق الثاني ويدعى بالقاعة الكبرى فوق الكنيسة للبرج المحصن وهو عبارة عن صالة مفتوحة وفيها نوافذ ومرامي سهام عميقة كانت تؤمن الدفاع عن البرج، وتمّ تصميم الطابق الثاني وبناؤه في أوائل القرن الثالث عشر الميلادي على ثلاث ركائز من الأعمدة الضخمة البارزة تستند عليها عقود متصالبة شديدة الانحناء
ولا تمتد هذه الركائز إلى أسفل في الكنيسة، بل هي موجودة فوقها وفي القاعة فقط، فكيف تمَّ هذا؟ وكيف استطاع البناء أن يتحمَّل ثقل هذه الأعمدة؟ مما دفع البعض إلى اعتباره أعجوبة فن العمارة الصليبية.
ويتم الوصول إلى السطح عن طريق درج في الطابق الثاني ويحوي السطح على شرفات مازال قسم منها محتفظاً بفتحاته وهي تطل على الأفق البعيد والشرفات مبنية من صخور ضخمة منحوتة بدقة وعناية وقد كان المدافعون عن الموقع يقيمون الاتصالات بواسطة النيران والإشارات مع القلاع المجاورة، وقد احتفظت هذه القاعة الكبرى بشكلها الحالي كما هي دون أية إضافات أو بناء أو ترميم فيها حتى يومنا هذا..
السور ببنائه كان مرتفعاً وواسعاً ولكنه مع مرور الزمن تهدم وبنيت المنازل داخله ومن حجارته حتى التصقت بالبرج من الجهة الجنوبية أو تكاد ومازال إلى الآن قسماً من السور الشرقي ببوابته الجميلة قائماً..
د. نزار إبراهيم يونس