العدد: 9365
13-6-2019
يتطلع السوريون لإطلاق عجلة إعادة الإعمار بلهفة كبيرة باعتبارها وسيلة للتعافي الاقتصادي والاجتماعي والانتقال من مرحلة الدمار والحرب إلى الإعمار والسلم، فتتوضح ملامح إعادة الإعمار برؤية وطنية شاملة حيث تحددت أولويات العمل للبدء في إعادة تأهيل البنى التحتية والنهوض بالاقتصاد وتحديد سبل تأمين التمويل اللازم سواء عن طريق استقطاب القطاع الخاص أو فتح قنوات مع الدول الصديقة لجذب الاستثمارات الفاعلة بهدف بناء ما هدمته طاحونة الحرب وإطلاق تنمية شاملة ودفع عجلة التنمية والاقتصاد بقوة، هذه المتغيرات والتحولات كلها تخلق واقعاً جديداً وقفزة نمو نوعية في مختلف الميادين ما يفرض علينا التحضر للمرحلة القادمة ورسم ملامحها وتأطيرها بقواعد قانونية متينة في مختلف المجالات الاجتماعية والتنموية وكذلك الاقتصادية وخاصة في مجال الاستثمار بهدف تشجيعه وتحفيز رؤوس الأموال وتطوير التشريعات التي تؤمن بنية عمل صحيحة للشركات المستثمرة، فهل يواكب القانون السوري الحالي مرحلة إعادة الإعمار أم أنه بحاجة لتطوير وتعديل؟
الجواب على ما طرحناه يقدمه مجموعة من رجال القانون الذين أدلو بدلوهم وإليكم التفاصيل . .
* د. بسام أحمد (أستاذ في كلية الحقوق بجامعة تشرين ومحامي) قال: القانون السوري الحالي قد يتمكن من النهوض بالمهام المناطة به ولكنه بالتأكيد غير كاف، فنحن بحاجة لقوانين جديدة تواكب مرحلة إعادة الإعمار بكل ما تفرزه من قضايا وهذا هو دور الواقع في تطوير القانون وأضاف د. أحمد: مهمة المشرع هي استلهام الواقع وتغيراته فالقانون في حركة مستمرة ومن الطبيعي أن تكون هناك حركة تشريعية سريعة في إعادة الإعمار، وأوضح د. أحمد: عندما ننتقل من ظرف سياسي أو اقتصادي إلى ظرف آخر أو من وضع إلى وضع هذا يقتضي مواكبة القانون لذلك وعلى التشريعات استقراء الوضع قبل الرأي العام وهذه مهمة المشرع وهذا يتطلب بنية تشريعية سريعة ويستطرد قائلاً: حكمة المشرع تستوجب عليه ألا ينتظر إلى أن تتبدل الأمور ويقع في التأخير بل عليه أن يوجه الواقع قانونياً بما ينسجم مع السياسة العامة ومع التصورات الدولية نحو الخطوة القادمة، وأشار إلى أن الأمور الاقتصادية والاستثمارية هي من أهم المجالات التي تستوجب النهضة مبيناً أن قانون الاستثمار ورغم أنه قانون حضاري إلا أنه يحتاج إلى إعادة صياغة ليواكب المرحلة القادمة بكل تفاصيلها و تطوراتها.
* د. نزار حسن (أستاذ في كلية الحقوق بجامعة تشرين ومحامي): وضعت القوانين السورية الأساسية سواء في المجال المدني أو الاقتصادي أو حتى التجاري لتحكم الأوضاع التي كانت سائدة وقت وضعها فالقانون المدني والتجاري وقانون الشركات وقانون الاستثمار وقانون الجمارك وغيرهم من القوانين وضعت جميعها في مرحلة قبل الأزمة فهي تصلح لتحكم الظروف العادية التي تعيشها البلاد وليس في ظروف بلد مثخن بالجراح جراء الاحداث الدامية التي تعرض لها ومنهك اقتصادياً بلد فيه كل هذا الدمار في البنية التحتية والمعامل، وهذا يستدعي وجود قوانين تواكب المرحلة من ناحية الخصوصية فنحن في فترة زمنية خاصة تقتضي قوانين اقتصادية خاصة تشجع الاستثمار ورأس المال الوطني والأجنبي، فرأس المال يحتاج إلى أمان قانوني يرعاه تكافؤ الفرص الاقتصادية أي أن يكون مباحاً لكل الشركات على قدم المساواة للمساهمة الفعالة في إعادة الإعمار، وأوضح د. حسن قائلاً: هذا لا يعني تغيير فكر قانوني عمره مئات السنين فالمفاهيم والقواعد القانونية الأساسية ثابتة، ولكن الحل يكون إما بتعديل القوانين الأساسية بما يواكب المرحلة الزمنية التي يعيشها القطر أو بوضع قوانين اقتصادية خاصة تواكب هذه المرحلة وتنتهي بزوال دواعيها وهو ما يسمى بالقوانين المؤقتة، وأشار د. حسن إلى أهمية أن توضع هذه القوانين من قبل مختصين في العلوم القانونية وهم (أساتذة القانون في الجامعات السورية والقضاة على اختلاف اختصاصهم وكذلك المحامون ذوي الخبرة) بناء على معايير علمية ودون استعجال وفي هذه الحالة نضمن إصدار أفضل التشريعات التي تحتاج بدورها لأفضل المنفذين لها ولفت د. حسن إلى ضرورة الاطلاع على تجارب الدول التي تعرضت لتجربة أليمة كالتي تعرض لها قطرنا ودراسة وسائل مجابهتها مع مراعاة الخصوصية السورية بحيث تصلح لسورية وتواكب مرحلتها القادمة ويستوعبها المواطن السوري فلا تبقى مجرد حبر على ورق في حال كانت غير ملائمة أو أقل من المستوى أو أعلى منه فالعبرة ليست بالتشريع بل بملائمته. وأضاف: نحن بحاجة إلى السرعة فالبلدان الآسيوية حققت قفزات اقتصادية نوعية بسرعة قياسية كاليابان وألمانيا وينبغي أن تخضع القوانين الجديدة لمعايير الموضوعية والشفافية والعمق والسرعة بالإنجاز.
وبين د. حسن ضرورة تحضير هذه القوانين قبل الشروع بعملية إعادة الإعمار لضمان نجاحها ودقتها وصحتها وهذا يوجب دراسة القوانين من الناحية النظرية وتأطيرها كمفهوم ووضع الخطوط الأساسية للهيكل القانوني للمرحلة القادمة وأكد د. حسن أن القوانين الاقتصادية بدءاً من القانون المدني إلى قانون التجارة وقانون الشركات وقانون الاستثمار وقانون الجمارك هي القوانين المعنية أكثر من غيرها بعملية التعديل والتحديث.
* ويصف نصر الخضور (محامٍ، قاضٍ عسكري سابقاً): القوانين السورية بالحضارية ويضيف: تستطيع هذه القوانين مواكبة المرحلة القادمة إلا أنها غير كافية فيجب إدخال بعض التعديلات عليها أو سن قوانين جديدة تنسجم مع الظروف الجديدة بالاعتماد على معايير الدقة والموضوعية لإكساب القوانين الجديدة ثقة من قبل المنفذين لها وخاصة في مجال الاستثمار فالبلد مقبل على انفتاح كبير ويجب توفير البيئة التشريعية الناظمة للمرحلة القادمة بما يشجع ضخ رؤوس الأموال الكبيرة وتقديم الضمان والأمان لها لتحفيزها على العمل بقوة بعيداً عن الخوف باعتبار رأس المال جبان وأشار الخضور إلى ضرورة تحضير هذه القوانين وتجهيزها لتكون قادرة على الإحاطة بمرحلة إعادة الإعمار بكل مفرزاتها وهذا دور المختصين في مجال القانون لدراسة كل الحالات الجديدة بمختلف المجالات الاجتماعية والاقتصادية والتنموية وغيرها والاطلاع على تجارب الدول الأخرى وسن القوانين الجديدة بما ينسجم مع الخصوصية السورية.
ياسمين شعبان