الوحدة – سليمان حسين
يوم مفصلي سجل تاريخه في سطور المجد، في هذا اليوم انقشعت الغيمة التي كانت تخيّم على نفوس السوريين لأكثر من خمسين عاماً، في هذا اليوم بدأ عهد آخر، عهد رسمه شباب سوريون نسجوا في الذاكرة أياماً من التضحيات الجسام، وضعوا نصب أعينهم فكرة الثبات والبقاء حتى انتصار ثورتهم، تكالب عليهم أعتى الطيران الحديث، عبر غارات وطلعات جوية مجهولة التوقيت، وعلى الأرض – مُدرعات نكس تصفيحها ثوّار مؤمنون بقضية المواجهة حتى آخر نفس، كانت منازلهم محفورة في تضاريس الجبال، مفارشهم على تراب من كرامة وكبرياء، لم تثنهم عزيمة الاستمرار وإكمال الطريق، كانوا يتنفسون عبق الانتصار ولو بعد حين، ليلاً كانت نجوم الليل دليلهم إلى عمليات نوعية في جسم وبنيان النظام البائد ومن معه، نهارهم تفكير وتأنٍّ، براميل الحقد الجهنمي كانت تستهدف براءة العُزّل لتترك على أجسادهم مسيرة طويلة من الآلام لتبقى ذكرى راسخة على جبين النصر.
عملية ردع العدوان كانت لحظة فارقة إلى نصر مُبين ليكتمل عقد الحق، أبناء الساحل السوري استقبلوا الثوار بالورود والرياحين، احتفالات تُشبه الأعراس في كل مكان، أول ما سعى إليه الثوار وقادتهم بعد انطلاق عملية ردع العدوان هو إعلان المسامحة بلا ثأر وبدء مرحلة وطنية تقود سوريا إلى برّ الأمان، عاشت اللاذقية يوماً لا يُشبه باقي الأيام، زهوة الانتصار كانت على مُحيّا الجميع، فُتحت الأبواب على مصراعيها، منذ الّلحظة الأولى تبدّدت مظاهر الحاجة، سقطت قيمة العملة الخضراء التي كانت مُحرّمة على الشعب، أصبحت الأرصفة تذخر بألوان الغذائيات التي كانت حُلم الأهالي لسنين طويلة، تحرّكت العجلة الاقتصادية داخل المدينة، دبّت الروح بكافة الأحياء، أفراح اختلط فيها كل شيء جميل.
وعلى المقلب السياسي والاقتصادي، لم يطُل الانتظار كثيراً، فلا بُدّ من بناء هيكل الدولة، فكانت تجربة مدينة إدلب هي النموذج، فتشكّلت على الفور قيادة البلاد الكفوءة وسلكها الدبلوماسي النشيط على وقع الاحتفالات في عموم البلاد، بدأت الأقطار العربية والإسلامية الصديقة تقدّم الدعم بكافة جوانبه لإعادة ماكينة الحياة الطبيعية، وبالفعل لم تمضِ سوى أيام قليلة حتى بدأت الحياة تدبّ بكافة أرجاء المعمورة، وبدأت الحقوق المُغتصبة من عقارات واقتصاديات تعود لأصحابها الشرعيين، وعلى مستوى رأس الهرم المُنتصر، بات القصر الرئاسي نقطة استقطاب للوفود العربية والصديقة، تهاني وتبريكات بعودة سوريا إلى حضنها العربي.
عام كامل أعاد شرعية البلاد بين الأمم عبر سلك دبلوماسي نشيط قدّم سوريا الحرة إلى عواصم كثيرة، أعاد صياغة الوضع الخارجي لإزاحة العقوبات والحصار الذي فُرض على البلاد بسبب سياسة النظام البائد الرعناء، عام كامل تغيّرت الكثير من المصطلحات التي أساءت لحقوق المواطنين، بدءاً من إنعاش رواتب العاملين بالدولة، مروراً بالفقر والحرمان الذي احتكره مصادر الطاقة، وصولاً إلى الحياة الأُسرية التي ذاقت الأمرين بتأمين موارد العيش الكريم، عاد الكثيرون إلى قُراهم ومدنهم التي حُرموا منها لعقد ونصف من الزمن، عبر المرور الحرّ بكافة أرجاء البلاد بلا حواجز أو موانع، عام مضى مسرعاً على أمل البدء بمراحل تُعيد بنيان المُدن المُدمّرة وتُعيد الأمل بحياة يستحقها السوريون.