الوحدة – تمام ضاهر
تباينت الآراء حيال القرار رقم 677 الصادر عن وزارة الاقتصاد والصناعة والمتضمن إلزام المنتجين والمستوردين بتدوين سعر البيع النهائي للمستهلك على كل منتج، وباللغة العربية بخط واضح وغير قابل للإزالة.
رحّب المستهلك (باعتباره الحلقة الأضعف في معادلة الأسواق والأسعار) بالقرار بصيغته الحالية، واعتبره غاية ووسيلة لضبط هذه الأسواق، وأن نجاح تطبيقه سيحقق الشفافية المطلوبة في تلك العلاقة غير المستقرة بين معشر المنتجين وشريحة المستهلكين، وذلك من خلال حماية هذه الشريحة من الاستغلال، واعتبره عاملاً متمماً لمهام الرقابة التموينية على الأسواق والأسعار.
واعتبر الصناعيون والمستوردون القرار المذكور يحمل نوايا إيجابية في ضبط الأسعار وحماية المستهلك، غير أن آليات تطبيقه بصيغته الحالية لا تتناسب مع واقع السوق السورية المتقلب، ولا مع طبيعة الصناعات المحلية واحتياجات التصدير.
ودعا بعض هؤلاء الصناعيين إلى تجميد تنفيذ القرار مؤقتاً ريثما تُعد صيغة تنظيمية جديدة تراعي التمييز بين أنواع السلع قصيرة الاستهلاك والمعمرة منها، وإلى إشراك ممثلي القطاع الصناعي والغذائي في صياغة الآلية البديلة.
كما طالب البعض الآخر بضمان أن تُكتب القوانين بطريقة تمنع أي استغلال أو فساد إداري محتمل في تطبيقها، والالتزام بمبدأ اقتصاد السوق الحر الذي أُعلن عن تبنيه رسمياً بما يحقق التوازن بين حماية المستهلك وتحفيز الاستثمار والإنتاج الوطني.
من أجل تسليط الضوء على مفهوم التسعير الإداري (الإلزامي)، وللوقوف أكثر على إيجابيات قرار وزارة الصناعة المذكور، الوحدة التقت الخبير الاقتصادي الدكتور ذو الفقار عبود الأستاذ في كلية الاقتصاد في جامعة اللاذقية ورئيس وحدة ضمان الجودة فيها.
الدكتور عبود أكد في تصريحه للوحدة: إنّ التسعير الإداري أو الإلزامي يعدُّ عملية اقتصادية وإدارية حساسة تتطلب موازنة بين قيمة السلعة أو الخدمة، والتكلفة، ومستوى الدخل، ومتطلبات السوق، وأنه يتم تقييم التسعيرة وتعديلها بناءً على المتغيرات في الظروف الاقتصادية والتنافسية واحتياجات العملاء والمستهلكين.
وأشار الخبير الاقتصادي إلى أن التسعير (Pricing) هو عملية تحديد سعر المنتجات أو الخدمات مقابل قيمتها المالية، وأن التسعير يهدف إلى تحقيق توازن بين القيمة التي يقدمها المنتَج أو الخدمة والتكلفة المرتبطة بها بحيث يكون السعر عادلاً وجذاباً للعملاء والمستهلكين، وفي الوقت نفسه يعود بالربح للمنتِج أو المورد.
وحول أنماط التسعير المعتمدة أوضح الدكتور عبود وجود عدة استراتيجيات تسعير مختلفة تستخدم في الأعمال التجارية مثل التسعير الجغرافي، وهو تحديد أسعار مختلفة حسب المناطق الجغرافية، وتسعير التجزئة والتسعير الاستراتيجي، والتسعير التفضيلي والتسعير الإداري أو الإلزامي.
أما الأهداف التي تحققها عملية التسعير في الأعمال التجارية، فأشار عبود إلى أنها تبدأ بحماية حقوق المنتجين، وتحقيق ربحية لهم، و إدارة الطلب والعرض في الأسواق، وتحسين تنافسية قطاع الإنتاج، وتحقيق استراتيجيات التسويق، وأيضاً تلبية توقعات المستهلكين والعملاء.
وبيّن أن هناك عدة استراتيجيات للتسعير يمكن للشركات اعتمادها وفقاً لأهدافها وشروط السوق، ومن طرق التسعير الشائعة تلك طريقة التسعير على أساس التكلفة و التسعير على أساس القيمة، والتسعير على أساس دخل المستهلك، وأن هذا الأخير هو تسعير على أساس الدخل ومتوسط الأجور، وهو نهج لتحديد الأسعار يركز على متوسط الرواتب والأجور مقارنةً بدول الجوار التي يمكن استخدامها كنقطة انطلاق لتحديد السعر الخاص بالمنتَج أو الخدمة، سواءً كان ذلك ضمن نطاق الأسعار المتقلبة للسوق أو كوسيلة للتنافس بناءً على الأسعار.
وأضاف: هناك أنواع مختلفة للتسعير التي يمكن للشركات اعتمادها، ومن بينها التسعير الثابت (Fixed Pricing)، حيث يتم تحديد سعر ثابت للمنتج أو الخدمة، وهذا السعر يبقى ثابتاً دون تغيير على الرغم من التغيرات في التكاليف أو الطلب، وهو عكس التسعير المتغير (Variable Pricing) الذي يتم فيه تغيير الأسعار وفقاً لعوامل معينة مثل التكلفة، الطلب، الموسمية، أو عوامل العرض والطلب في السوق، وأن هناك أنواعاً أخرى للتسعير كالتسعير التفضيلي (Preferential Pricing) الذي يتم فيه تقديم خصومات أو أسعار مخفضة لفئات محددة من العملاء مثل الطلاب أو كبار السن أو العملاء المميزين.
أما النوع الرابع بحسب د.عبود فهو التسعير المشترك (Bundle Pricing) الذي يتم فيه تقديم مجموعة من المنتجات أو الخدمات معاً بسعر مجموعة أقل مقارنة بسعر كل منتج على حدة، مما يشجع العملاء على شراء المجموعة بدلاً من العناصر الفردية، وهناك أيضاً التسعير التجزئي (Price Discrimination)، إضافة إلى التسعير التحويلي (Value-based Pricing)، وأخيراً التسعير التنافسي (Competitive Pricing)، وفي هذا النوع يتم تحديد الأسعار استناداً إلى الأسعار المعروضة من قبل المنافسين في السوق، ويهدف إلى تحقيق توازن بين الجذبية التنافسية والربحية.
أما العوامل المؤثرة في عملية التسعير هذه، فهي بحسب الدكتور عبود تكاليف الإنتاج أي تكلفة المواد الخام، وتكلفة العمالة، وتكاليف التشغيل العامة، حيث يتعين تضمين هذه التكاليف في تسعير المنتج أو الخدمة لضمان تحقيق الربحية، وثمة عوامل أخرى مثل مرونة الطلب والعرض، والتنافسية في السوق، والقيمة المضافة والتميز، واستراتيجية التسويق، وموقع العلامة التجارية،
ويجب أن يتم تحديد الأسعار وفقاً لاستراتيجية التسويق التي تعتمدها الشركة.
وأوضح الخبير الاقتصادي أن السياسات والقوانين الاقتصادية، وبعض الصناعات قد تكون معرضة للتنظيمات والقوانين التنظيمية التي قد تؤثر على عملية التسعير، وأنه يجب الامتثال لهذه القوانين ومراعاتها عند تحديد الأسعار.
ولفت الدكتور عبود إلى أن أهمية التسعير تتحدد بأنه يؤدي دوراً حاسماً في نجاح الشركات، واستدامة الأعمال التجارية، ويساهم في تنظيم العرض والطلب، وتحقيق الربحية، و التنافسية، وتلبية احتياجات العملاء.
كما تعود أهميته لعدة أسباب أهمها تحقيق الربحية، حيث يعتبر التسعير السليم والملائم أحد العوامل الرئيسية لتحقيق الربحية في الأعمال التجارية، وذلك عن طريق تحديد أسعار تغطي تكاليف الإنتاج، وتحقق هامش ربح مناسب الأمر الذي يساعد الشركات في تحقيق العوائد المالية المطلوبة واستمرارية النشاط التجاري.
ومن الأسباب الهامة للتسعير أيضاً تنظيم العرض والطلب، وتحقيق المنافسة الصحيحة، وأيضاً تحقيق استراتيجيات التسويق، وتلبية احتياجات العملاء، وهنا يمكن استخدام التسعير لتلبية توقعات العملاء بشأن الجودة والقيمة لذا يجب أن يكون التسعير متناسباً مع قيمة المنتج أو الخدمة المقدمة، ويجب أن يكون عادلًا بالنسبة للعملاء، وعند تحقيق هذه الأهداف يمكن بناء علاقات طويلة الأمد مع العملاء، وتعزيز رضاهم وولائهم.
ختاماً اعتبر الدكتور عبود أن التسعير الإداري يضمن حقوق الفئات الأقل دخلاً، ويضمن حقوق المنتجين، ويمنع التلاعب بفاتورة الإنتاج، وفرض سعر يعتقد التجار بأنه سعر توازني في السوق. كما يمنع استغلال ذريعة تذبذب أسعار صرف العملات الأجنبية مقابل العملة الوطنية، والتي يستغلها كثير من التجار لزيادة هامش الربح.
تصفح المزيد..