الوحدة- د. رفيف هلال
تُعَدّ مرحلة اختيار التخصص الدراسي واحدة من أكثر المراحل حساسية في حياة الشاب أو الشابة، فهي لا تحدد مساره التعليمي فحسب، بل تضع حجر الأساس لمستقبله المهني والشخصي. غير أن كثيراً من الآباء والأمهات يقعون في فخ فرض رغباتهم على أبنائهم، متجاهلين ميولهم الحقيقية وهواياتهم، الأمر الذي يولّد سلسلة من الأزمات النفسية والعاطفية لدى الأبناء، تبدأ بالإحباط وتصل في كثير من الأحيان إلى الاكتئاب وضياع المستقبل.
يقول الشاب أيهم: “كنتُ أحلم منذ طفولتي بأن أصبح مهندساً، لكن والدي كان يرفض حتى الاستماع إليّ. كان يصر على أن أدرس الطب، لأنه يرى أنه الاختيار الأمثل. وبالفعل التحقتُ بكلية الطب، لكنني شعرت بالاغتراب الداخلي. لم أجد نفسي هناك، فانشغلت بالعمل وابتعدت تدريجياً عن الدراسة، لتضيع أحلامي بين يدي.”
أما الشابة رنا فتروي تجربتها بمرارة: “كنتُ أعشق العلوم، غير أن والدتي أجبرتني على دراسة الأدب الإنكليزي، معتقدة أن التدريس هو أفضل عمل للفتاة. درستُ ما لا أحب، ففشلتُ، وانتهى بي المطاف إلى ترك التخصص تماماً بعد الزواج، لتُدفن أحلامي مع كتبي الجامعية.”
قصة أمجد تكشف جانباً آخر من هذه المعضلة: “لم يحقق والدي حلمه بأن يصبح قاضياً، فقرر أن يحقق ذلك من خلالي. أجبرني على دراسة الحقوق دون أي حوار. اجتهدتُ وأكملتُ دراستي، لكنني حين تخرجتُ اكتشفتُ أنني غريب عن هذا المجال. لم أستطع أن أمارس المهنة، ففتحت متجراً صغيراً لأبدأ حياتي المهنية من الصفر.”
أما الشاب نوار، فقصته تحمل الكثير من الألم: “كنتُ ميالاً للفنون الجميلة، لكن والدي كان يرفض هذا المجال رفضاً قاطعاً، وأجبرني على دراسة التجارة. لم أستطع التأقلم، فبدأتُ أتعمد الإهمال، وعانيتُ كثيراً من صراخه وسخريته. بعد عامين من الفشل، قررت الهجرة بحثاً عن حياة تنعم بالهدوء، لكنني خسرت مستقبلي الدراسي، وتفككَ حلمي الفني.”
هذه الشهادات تكشف حقيقة صادمة: عندما يحرم الآباء أبناءهم من حرية الاختيار، فإنهم يقتلون في داخلهم روح الشغف والإبداع. فالتوجيه مطلوب، لكن السيطرة القسرية تهدم أكثر مما تبني. إن الأبناء بحاجة إلى آباء يصغون إليهم، يناقشونهم، ويدعمون اختياراتهم، لأن النجاح الحقيقي يولد من توافق الرغبة مع الجهد، لا من إملاءات تفرض بالقوة.
تصفح المزيد..