الوحدة- نجود سقور
في كل يوم يمر، تثير الأشجار المحترقة شجون المواطن محمد بلوك باشي، الذي خسر أرزاقه في الحرائق الأخيرة. وهو من سكان قرية الخضراء التابعة لبلدة ربيعة في ريف اللاذقية الشمالي، والتي أتى الحريق على أخضرها ويابسها، في تلك البقعة التي هجرها أهلها ونزحوا عنها منذ 14 عاماً.
واجهوا النزوح مرتين:
يروي محمد بلوك باشي تفاصيل احتراق أشجاره وفي قلبه غصة، قائلاً: “14 عاماً مرت علينا ونحن نجترع مرارة الابتعاد عن أراضينا وأرزاقنا، لتجدد اللوعة مرة أخرى ويعود سيناريو التهجير بفعل الحريق. فبعد مضي شهور عدة على سقوط النظام وعودتنا إلى المنطقة التي كانت منطقة عسكرية مهجورة ومهملة حيث طالت الأعشاب وتسلقت على أشجار الزيتون والتفاح عملنا جاهدين على إعادة تأهيل الأراضي وفلاحتها وتشذيب الأشجار وتقليمها حتى تعود إلى سابق عهدها. هذه الأراضي الواسعة زُرعت منذ عشرات السنين بمختلف أنواع الأشجار المثمرة من التفاح والدراق واللوز.
وأضاف: بعد زوال النظام، عادت مئات العائلات النازحة إلى قراها للعمل في أراضيها وتنظيفها من الإهمال الذي لحق بها. لكن الحرائق الأخيرة أكلت الأخضر واليابس وتركت الأهالي في مكان أشبه بالصحراء. فكان الحريق الذي حطم كل الآمال بالاستقرار، خاصة بعد أن شهدت المنطقة عودة الكثيرين ممن غادروا إلى تركيا.
خسائر فادحة وبنية تحتية مدمرة:
أشار بلوك باشي إلى أن خسائرهم كبيرة، حيث بلغت 80% من حجم الأضرار في أشجار وبنى تحتية هي بالأصل مدمرة ومهدمة. موضحاً أن ما زاد من حجم الخسائر هو بقاء بعض البساتين مهملة تركها أصحابها، ففتكت النيران بكل ما حولها. حتى أن النيران غيرت من طعم المياه التي يشربونها.
كما كشف الحريق النقاب عن تردي البنية الخدمية. ويأمل السيد محمد أن تحظى تلك البقعة الجغرافية النائية باهتمام المعنيين، مطالباً بتأمين نقطة طبية تفي بأبسط الخدمات الصحية، حيث إن أقرب مركز صحي يبعد حوالي 40 كم. ونوه باحتياج الكثيرين لجلسات رذاذ نتيجة استنشاق الدخان الذي تأذوا منه، حيث ما تزال رائحة الدخان تعبق في الجو. كما تفتقر القرية لوجود مدرسة، مطالباً بتأمين كرفانات تقوم مقام المدرسة ليتلقى الأولاد تعليمهم، بالإضافة إلى تكبدهم مشقة تأمين الخبز والمواد الأساسية للحياة اليومية.
وتابع: حالنا مثل مئات العائلات في القرى المدمرة الذين خسروا أراضيهم ومنازلهم خلال هذه الحرائق. المنازل المدمرة يمكن ترميمها أو إعادة بنائها، لكن الأراضي الزراعية تحتاج إلى سنوات طويلة كي تعود إلى حالها.
عودة محفوفة بالمخاطر.. ثم كارثة جديدة:
قبل أقل من شهرين، عاد محمد بلوك باشي مع عائلته إلى قريته وأعاد تأهيل منزله المدمر من قصف قوات النظام السابق. ثم ألحقت الحرائق الأخيرة أضراراً كبيرة بمنزله. وتشبه حاله حال أحمد والكثير من العائلات التي عادت أخيراً من النزوح إلى قراها، وبدأت في إصلاح منازلها وقراها قبل أن تتسبب الحرائق في نزوح جديد لها.
خسائر في خراطيم المياه كانت تروي الأراضي والبساتين:
شكلت الخسائر في خراطيم المياه هاجساً أساسياً لدى المزارعين في أكثر من قرية، كونها العصب الأساسي الذي يؤمن مياه الشرب والري في آن واحد لأهالي تلك القرى.
يقول المزارع حسين عثمان من قرية فلك في البسيط: نزحنا مؤقتاً مع عائلاتنا إلى إحدى القرى المجاورة، وعدنا إلى القرية التي احترقت أراضيها وغاباتها واحترق معها خراطيم مياه امتدت عبر الجبال لتمد القرية بالمياه. احترق لي أكثر من 1000م عدا عن شبكات تنقيط. نأمل من الحكومة أن تصرف تعويضات لنا عما خسرناه.
أما فادي سليمان من نفس القرية، فأفاد بأنه خسر أكثر من 3 آلاف م، مما اضطرهم للاستعانة بصهاريج لتأمين المياه لهم ولأسرهم، متكبدين تكاليف إضافية هم غير قادرين على تحمل أعبائها، فسعر الصهريج الواحد تجاوز 150 ألف ل.س كحد أدنى.
وكذلك الحال مع باسل إبراهيم من قرية الحبشة، الذي ذكر أن مساحات كبيرة وواسعة من كروم الزيتون والليمون احترقت على إثر توالٍ لحرائق على القرى في فترة وجيزة، مما كبّد الأهالي خسائر من الصعب تقديرها، إضافة لشبكات ري وتنقيط مع خراطيم لجر المياه من الينابيع وتجمعات المياه. وأشار إلى أنهم راجعوا الوحدات الإرشادية التابعة لهم، وتم تقديم بيانات ووثبوتيات مطلوبة ليصار إلى حصر الأضرار وتقييمها.
إصابات بليغة لعاملين في الإطفاء أثناء إخماد الحرائق:
لم يسلم عدي قدّار ودميع قدّار من تلك الحرائق الهوجاء، حيث تعرضا لإصابات بليغة أثناء المشاركة في إخماد الحرائق في قسطل المعاف بالتحديد. فقد أصيب العامل في مديرية زراعة اللاذقية عدي قدّار ومع احتدام الوضع وزيادة شدة النيران ومحاولة تطويقها، تعرض لكسر في رجله إثر وقوعه في جرف صخري.
أما دميع قدار من قرية بيت القدار حيث أدّى سقوط شجرة عليه إلى إصابة ثلاث فقرات في عموده الفقري، تسببت بشلل نصفي أقعده طريح الفراش. ويحتاج وضعه إلى إجراء معالجة فيزيائية تتطلب معالجٱ فيزيائيٱ بالإضافة إلى أدوية مرتفعة التكلفة.
مناشدات المواطنين بتعويضات منصفة:
طالب المتضررون بأن يتم صرف تعويضات لهم، لأن تبعيات الحرائق كارثية، مناشدين الحكومة بتحمل مسؤولياتها. فالبعض خسر كل أرزاقه، والبعض نزح عن بيته حالياً بعدما كانوا نازحين لسنوات.
الطوارئ: الحكومة السورية تدرس تعويض المتضررين من الحرائق:
أعلن وزير الطوارئ رائد الصالح أن الحكومة تدرس حالياً إمكانية تقديم تعويضات للسكان الذين تضررت ممتلكاتهم بفعل موجة الحرائق الأخيرة التي طالت عدداً من المناطق في البلاد، وأكد الصالح في تصريح رسمي أن الجهات المعنية بدأت بتقييم الأضرار ميدانياً، تمهيداً لوضع آلية واضحة للتعويضات وفق الإمكانيات المتاحة وحجم الخسائر.

