الوحدة:3-12-2023
في إطار الأحداث الدامية التي تشهدها الإنسانية مؤخّراً في غزة، و وسط تفاوت الآراء في توصيف ما يحدث، للأديب والباحث المحامي أ.عادل شريفي رأي آخر في الإنسانية. يبدأ أ.شريفي كلامه فيقول:
يتجدد القتال على جبهة غزّة والجبهات المترابطة معها، ويبارك الراعي الأمريكي لشرور العالم كلّ ما يجري من استباحة المحرّمات ضمن البيئة الغزيّة المكتظّة بالضحايا، وتُغتال الطفولة مع كلّ دفقة قنابل، ويبتعد الأمل مع كلّ ساعة التحام في الوصول إلى هدنة (إنسانيّة)، ربّما لم يعد من المناسب استعمال هذه الكلمة، فالإنسانيّة لم يعد لها وجود في الحقيقة بعدما قام الغرب بإفراغها من محتواها العام، وقصرها على فئة معيّنة من البشر شُقر الشعور، زُرق العيون. بينما كلّ الأجناس البشريّة الأخرى تُعتبر أعداداً وأضراراً جانبيّة لأيّ حرب يقوم بها العرّاب الأمريكي وحلفاؤه العنصريون.
ويتابع: أكثر من ستة آلاف طفل تمّ سحقهم تحت أطنان الرّكام، وتمّ تقطيع أشلائهم وتجميعها في أكياس صحيّة بفعل أحدث القنابل المصدّرة حديثاً للكيان الصهيوني، ومع ذلك لم يستأهل الأمر هدنة (إنسانيّة).
فإذا أردنا بالفعل تعريف الإنسانيّة، فهي توصيف لفعل الإنسان، فما هو فعل الإنسان في عصرنا الحالي؟ للإجابة على هذا السؤال علينا استجماع حقيقة التقدّم الإنساني الذي حققته الإنسانيّة في آخر ثمانين عاماً من حياة البشريّة، وسنستنتج منها الطابع الإنساني العام الذي عممته الدول المتحضّرة كنموذج (للإنسانيّة).
قامت الدول المتحضّرة بشتّى أنواع الجرائم خلال عقودٍ ثمانية، بدءاً بزرع كيانات بشريّة مستوردة مكان أخرى أصيلة، مروراً بحروب التطهير العرقي بكافّة صورها، وإذكاء نار الفتن في كلّ مكان من هذا العالم، وتخريب الأجيال تحت اسم العولمة، وحمّى تغيير الأنظمة وما تبعها من ويلات وخراب وقتل، والسباق نحو امتلاك الأسلحة الفتّاكة، وتكتيل رؤوس الأموال بيد قلّة متنفّذة تتحكّم بأغلبيّة التعداد السكاني للبشر، وانتهاءً بنشر الجوائح والأمراض القاتلة. على هذا فإنّ تعريف الإنسانيّة لا يتطابق البتّة مع ما يتبادر إلى أذهاننا من شفقة ورحمة، ولهذا فإنّ المطالبة بهدنة (إنسانيّة) في غزّة يعني مزيداً من القتل والدمار والتشريد، وهذا ما يحصل بالضبط.
راجين أن يتمّ وقف إطلاق النار لأسباب رحيمة، نرسل كلّ آيات الدّعم والتبريك لكلّ من يضع أمله في بندقيّة تعرف عدوّها وتذيقه من جنس عمله، فهذا الإنسان لا يكون رحيماً – على ما يبدو- إلا حين يكون مضطرّاً.
مهى الشريقي