الوحدة : 29-11-2023
حتى تاريخ اليوم الحاضر هذا لم تُبحث بالجدية اللازمة تفاصيل تُراثنا الفني المهني اليدوي العريق ولم يكترث حقاً إلا القلة القليلة من أصحاب الشأن والقرار بجزئية احتضان فنانيه ومبدعيه مع أن هذا النوع من الفنون يحتوي على كنوز دفينة وربما نفيسة لم تُكتشف بعد حتى وقتنا الآن، ولا يخفى على أحد صور الإبداع ومظاهر التميز على أيدي الحرفيين وأنامل جملة المبدعين في محاكاة سائر المعادن ومنها فن حرفة تشكيل النحاس لتشكيل قطع فنية ثمينة كالمزهريات الكبيرة والصدور المُزخرفة و المُلونة بلون خاص يرمز إلى عصر ما بذاته وهناك الأباريق والكؤوس النحاسية المُزينة بنقوش عدة وزخارف تشكيلية محورها الطبيعة تارة وأشكال هندسية تسحر الألباب تارة أخرى، وتُعتبر دمشق المركز الأساسي وربما شبه الوحيد لهذه الصناعة، كما يجدر التذكير بحرفة صناعة الثريات النحاسية والأبليكات والقناديل والشمعدانات ذات القواعد المخروطية الواسعة والبلّورات الساحرة والتي عليها نقوش بالداخل مُطعمة بالذهب وبالفضة أحياناً بفنون حرفية بالغة التقنية، وهناك حرفة تصنيع السيوف الدمشقية الأنيقة من النحاس والفضة والتي نُقش عليها بالخط العربي وزُينت قبضاتها برؤوس ذات طابع شرقي الصنع بجودة وتقنية يُشهد لها على غمد السيف الدمشقي، و لا ننسَى إبداع تصميم وتصنيع الأبواب التراثية الجميلة الشامخة في كثير من الأماكن، ومن روائع الفنون المعدنية اليدوية أيضاً صناعة الأغلفة الجلدية المُطعمة بالمعادن لزوم الكتب للحرص على جودتها و أشكالها، وهذا كله مع عدم إغفال التفنن بالخط العربي المُشكل بعذوبة خاصة لتُزخرف قطعاً متنوعة من التشكيل المعدني المُتعدد.
إن أول ما يلفت النظر في شخصية فنون الحرف التراثية والمهن اليدوية هي تمثلها بأشكال هندسية وزخارف نباتية أُطلق عليها اسم الأرابيسك وكان الإبداع أيضاً في تشكيلها على المعادن كما حال الخط العربي في تميز حفره على أبرز المعادن، وبما أن لكل عصر زمني لمساته وطرازه ومفهومه الخاص بالجمال، فلذا كان على الفنان المُرهف والحرفي المُبدع إظهار أجمل ما لديه من صنعة وحرفة نقش وتطعيم وموهبة زخرفة والبحث عن كل مواطن الجمال في عمله بفلسفة ممزوجة بواقع العصر ومفهومه المشوق لمُحاكاة أي معدن وكأنه ذو روح تتفاعل مع الأيدي المبدعة، وما سبق ذكره يُؤكد مهارة الفنان الحرفي المُبدع الشرقي في أرض ميدانه و إثبات حرفته وخبرته بعالم المشغولات المعدنية المُتميزة.
د. بشار عيسى