الوحدة 28-11-2023
الغزو الثقافي الهائل والتنوّع الكبير في مصادر المعلومات والمعارف المتاحة أمام المتلقّي، وما يلعبه القائمون على هذه المصادر من دور في سكب المعلومة في أوعية الثقافة على مستوى العالم أجمع، كانت له آثاره الإيجابية والسلبية الهامة، وليس عيباً أن يتوسع الطرح الثقافي وتتسع مساحة المعلومة بل هو ذروة سنام الإيجابية. فالحصول عليها حقّ وواجب إنساني يجب أن يؤديه المثقفون كي يصل إلى كل من يحتاج إليه، وهذه الوساطة لها دور محوري وهو غاية في الأهمية والخطورة.
كذلك الأمر بالنسبة للمعلومة فهي سلاح ذو حدّين، فربما تبدأ مسيرتها باتجاه عكسي من المتلقي وليس من المصدر. وهنا الطامّة الكبرى إن لم يتمتع هذا الأخير بالقدر الثقافي والمعرفي الكافيين وبما يمكّنه من فلترة المعلومة والتفريق بين الغثّ والسمين، وبالتالي تجاهلها أو تسويقها.
ولاشكّ في أن وسائط التسويق الثقافي والإلكتروني أصبحت في متناول الجميع، ما زاد احتمالية تمرير ما يهدم المجتمعات أو الأفراد على حدّ سواء، ما لم يتمتع هؤلاء بذائقة ثقافية ناضجة تمكّنهم من غربلة وتمرير ما يصلح لبناء المجتمع لا تهديمه، وبناء الإنسان القادر على القيام بمهامه بعيداً عن كل ما يروّج له من اضمحلال وتسخيف معرفي، ولابد من الارتقاء بهذه الذائقة بطرق وأساليب عدّة ولاسيما عند المتلقين الشباب لما يُعقد عليهم من آمال وتطلعات، وهذه الذائقة يُفترض توافرها لديهم بصورة فطرية تلقائية ليتمكنوا بها من التلقي المبدئي للأعمال الإبداعية، فينجذبون إلى هذه منها، وينفرون من تلك وفق آليات نفسية داخلية، لكن هذه الذائقة الفطرية مهما علَت لدى بعضهم لا تبدو كافية، بل تتطلب في خطوة تالية ما تعدّد من روافد من شأنها أن تدعمها وتجعلها أكثر غنىً وتكاملاً.
والذائقة الثقافية لا ترتبط بقضايا مادية، هي بداية لا نهاية لها، ونفترض أن مصادر الثقافة مثالية، ترتبط بحياتنا، عندها تتبلور الذائقة وتصبح جزءاً من حياتنا.
لذا لابد من استنفار ثقافي سواء على مستوى الأفراد أو المؤسسات لنرتقي ونسمو بهذه الذائقة الثقافية والتّسلح بشتى أنواع العلوم والمعارف لمجابهة ما يُحاك ضد تراثنا الحضاري والثقافي، وهنا يقع على عاتق جيل الشباب أن يصبح منتجاً للمعلومة مدقّقاً للمحتوى المعرفي لها، فلا يكن مسوّقاً أعمى لما استحى منتجوه أن يسوّقوه فتقوم بدور مَن لا حياء في ثقافتهم ووعيهم.
وتبقى القضية تتأرجح بين المعرفة والوعي والثقافة من أجل تعزيز مخزوننا الثقافي أو إيقاظه إن كان هاجعاً.
أخيراً نذكّر – من باب الطّرافة – أن الشركات الغذائية الكبرى تستقدم ذوّاقين متخصصين يُبدون آراءهم في المنتج الغذائي قبل طرحه في الأسواق، بما يراعي ذوق المستهلك وميوله الغذائية والنفسية والفكرية!.
ريم جبيلي