الوحدة 11-11-2023
مجدّداً، زيت الزيتون وأسعاره الفلكية تحت مجهر المستهلك، مراحل عديدة تمرّ على هذه الثمرة حتى تصبح زيتاً على الموائد، وهذه المراحل تعتبر مُضنية وشاقّة، والأهمّ من ذلك هي مُكلفة جدّاً، حيث يُعتبر جني الزيتون من أصعب عمليات قطاف الأشجار المثمرة على الإطلاق.
ومن البداية .. وبعيداً عن حراثة أراضي الزيتون وتنظيفها من الطُفيليات والعناية بالشجرة من خلال التسميد والقصّ، ومرورها بمرحلة العقد والإزهار (الكرس)، وصولاً إلى مرحلة الإنضاج، لتبدأ الاحتفالية الأكبر والمعاناة الحقيقية المتمثّلة بالقِطاف، وبغضّ النظر عن التزام العائلة بالكامل في قضاء أيام وليال في البرد أو تحت الشمس الحارقة في الحقول، فهناك ضرورة حتمية للاستعانة بعمّال الاختصاص للمساعدة بجني المحصول، وهنا تكمن البداية المكلفة ، عبر الأجر المرتفع الذي يتقاضاه من يقوم بمهام القِطاف (النبر)، بالإضافة للاستعانة بعامل جمع الثمار (التلقيط)، ناهيك عن أسعار العبوات سواء كانت بلاستيكية أم أكياس من الخيش، تلي ذلك عمليات النقل التي تتفاوت من مكان لآخر وحسب الوسيلة، وصولاً إلى المعصرة والدخول في جدول التسعيرات الجديدة التي وقفت على عملية العصر، والتي تمّ تقييمها على أساس ارتفاع أسعار الوقود وأدوات الطاقة البديلة وأسعار أدواتها الخيالية وكذلك أُجور العمّال.
وهذه بعض التفصيلات التي قد تختلف قليلاً من منطقة إلى أخرى، حيث يتقاضى عامل النبر في اليوم نحو ٥٠ ألف ل.س، وعامل جمع الحب ٣٥ ألف ل.س، وتتقاضى المعصرة عن الكيلو غرام الواحد ٧٠٠ ل.س، ويبلغ سعر شوال الخيش ٣٠٠٠ ل.س، وهنا يقع على عاتق المزارع دفع الكثير من المال في سبيل الوصول لرقم معيّن يُرضي قليلاً خسارته عن تلك الحسبة المدفوعة سلفاً للوصول إلى المهم وهو السعر، حيث يبلغ سعر عبوة الزيت (البيدون) ١٦ كغ عصر حديث وأسيد صفر نحو ١ مليون و٢٠٠ ألف بعيداً عن سعر العبوة، أمّا القديم يختلف قليلاً، علماً أن هناك خيارات عديدة تُكبّلها نسبة الأسيد فتحدّ نوعاً ما من سعر هذه الصفيحة، أضف إلى ذلك، هناك كلام متناقل حول وجود كميات من الزيت المغشوش تتنقّل بالأسواق منسوب مصدرها إلى قرى تشتهر بهذه المادّة بسعر ٦٠٠ ألف ل.س، وهو سعر يناسب الكثيرين رغم أوضاعه المجهولة والضارّة صحياً، وخلال هذه الأيام فإن المواطن يلاحق ظلّ الزيت الرخيص، فيضطر مرغماً لشراء المادّة بسعر يناسب جيوبه الحزينة، وهنا يقع في المطب الأصعب..
ومن خلال ذلك فإن أسعار الزيت البلدي تدخل في نطاق المنطق بالنسبة للمزارع المُثقل بالتعب، لكنها مجحفة بالنسبة للمستهلك الذي يجهل الظروف التي تمرّ على هذه المادّة الهامّة، لنجد في النهاية أن المزارع والمواطن المستهلك هم في نفس الجبهة لكن المعايير تختلف قليلاً.
سليمان حسين