الوحدة : 7-11-2023
مدينة الدريكيش، مدينة المياه والحرير كما أُطلق عليها عندما بدأت محاولات خجولة بإعادتها إلى مكانها الطبيعي على الخارطة السياحية.
حواريها وأزقّتها لازالت كما كانت منذ خمسين عاماً، بيوتها الحجرية تقدّم وجبة دسمة من الجمال العمراني، لم تستطع التخلي عن أصولها القروية ، في قلب المدينة لازال الرعش وحجارته المرسومة بألوان التاريخ، حاملاً أحواض الورود بعناية، طبيعتها الجبلية حتّمت وجود الدرج بين البيوت القديمة، يحاول بعفوية سحب الناظرين إليه، ولا زال الياسمين يتعلق بكيان جدرانها العتيقة، يقدّم روحه للناظرين، أغلب طرقات المدينة وأزقّتها مرصوفة بحجر البازلت كينونة المدينة، لم تستطع الدريكيش الهروب من الحداثة والتطور العمراني الآخذ بالتوسع، فقد أخذ ينهش من أطراف طبيعتها البكر، غير أن الضغط الكبير على المقومات والطاقة انعكس على شوارعها وخدماتها، فأصبحت كغيرها من المدن، أسلاك وأكبال كهربائية تنشر الفوضى القسرية، لكن تبقى الصورة الأزلية في ساحة الشيخ منصور، المعلم الرئيس في المدينة، عبر أشجار عملاقة بعمر التاريخ وقدسية المكان، وُضع تحت ذلك الظل حديقة صغيرة ومقاعد تنعش الأرواح.
تفاصيل قُراها القريبة ودروب الجمال عالم آخر من الذكريات، كل حجر فيها يقدّم خامة فنية تشبه التحفة وتصلح لأن تعلق على جدران صالات الفن التشكيلي الأصيل، وفي أول الغيث الشتوي، بدأت أعشاب الربيع تشق التربة حول الدُروب وجدران المدرجات، تعلن قدوم فصل الخير الطويل، إلى الغرب قليلاً الجبل الأشم، جبل النبي زاهر، العلامة الفارقة، يرافق غروب الشمس فيقدّم حالة أخرى من الجمال، يحاكي الغيوم ويرنو إلى الجوار الآخر من صافيتا إلى لبنان الجار كاشفاً غروب البحر ..
مواطن الدريكيش يُتقن فن العراك مع الطبيعة، يعشق الزراعة وأساليب الصمود في وجه الأزمات، يقارع الأسواق بأنواع المزروعات الفريدة النضرة، ويمتلك القدرة على تحمّل الصِعاب رغم الجراحات الكثيرة التي ألمّت بالكثير من عوائل وأهل المنطقة، فهل تعود أيام الدريكيش القديمة؟ وهل سنشاهد السياح من جديد كما كنّا نراهم على كورنيش المدينة الصامد؟
الأيام كفيلة بذلك.
سليمان حسين