الوحدة: ١٣-١٠-٢٠٢٣
اشتهر ب”لسان الغيب، وترجمان الأسرار “. شاعر مخضرم من بلاد فارس، ومعجزة أدبية فريدة دوَّنتها الأقلام، إنه شمس الدين محمد الشيرازي، الذي عاش في القرن الثامن الهجري، ويعد من أشهر الشعراء الفرس، لقب بـ «حافظ» لحفظه القرآن الكريم في سنٍّ مبكرة، كتب أشعاراً بالفارسية والعربية، تُرجمت أشعاره إلى كثير من اللغات العالمية.
قال عنه المستشرق الفرنسي “هنري كوبين: “شاعر حقق المعادلة الصعبة بين جمال اللفظ ورقي البلاغة وصفاء المضمون” ، وعدَّه الشاعر الألماني” غوته” من أعمدة الشعر والأدب في الآداب العالمية.
أما ديوانه الشعري المؤلَّف من سبعمئة قطعة شعرية، فترجم إلى سبع وعشرين لغة حية في العالم، ويعدُّ من أشهر الكتب في الأدب العالمي، اعتبرته منظمة اليونسكو من كنوز الأدب الخالدة.
يمكِّننا الدخول إلى العالم الشعري لحافظ الشيرازي من القول: إن القصيدة الشيرازية تهتم بالقضايا الأنطولوجية الكبرى، من خلال الإجابة على أسئلة عدة، منها: ما الوجود وما العدم؟ ما الرابط بين الوجود بالزمان و الوجود بالمكان؟ وغيرها من الأسئلة التي تقودنا إلى القول بأنه الشاعر والمفكر و المتأمل و العارف الذي يجعل من الكون ومخلوقاته مدار اهتمامه.
والوجود في شعر الشيرازي من القضايا الكبرى التي شغلت باله، كانت فناً في مواجهة الموت، وإذا كانت العودة إلى الحياة الحقيقية الخالدة لا تتحقق إلا بالموت، فلأنه السبيل الوحيد إلى بلوغ المطلق.
من يتتبع أشعاره الطافحة بالفصاحة والبلاغة يقع على عالم السمو الذي يمزج فيه بين معاني العشق الإلهي والعرفان، وجُلُّ قصائده الغزلية تحمل رموزاً تشي بمفاهيم متعالية عن الوجود والحب والعفو والإرادة العرفانية وكل مفهوم من هذه المفاهيم يقدمه بأسلوب تعليمي مليء بالحكمة.
يستخدم الشيرازي في نصوصه الشعرية استعارات فريدة تنسج سحرًا غير معهود، يمكننا أن ندع القلق ونقول: ليست الحياة بهذا السوء. في الواقع الحياة مدهشة. يقول:
“انظر كيف تبتسم شفاه الأرض هذا الصباح رقدت بجانبي ليلة أمس، مجددًا!”
يبحث الشيرازي في نصوصه الشعرية عن مركزية الذات في انفتاح شغوف على مساكنة الوجود الذي يتخذ الغموض والكشف أساساً بنى عليه قصيدته العرفانية ورسم عليها نقوشه وطلاسمه.
وتعدّ قصيدة (ألا أيها الساقي) من أشهر قصائد الشاعر حافظ الشيرازي، وهي القصيدة التي افتُتِح فيها ديوانه، وقد احتوت على رموز فلسفية واتسمت بطابع عرفاني، وموضوعها لم يكن الغزل وحده، فقد احتوت مواضيعَ أخرى:
ألا يـا أيُّــهـا الـسّـــاقي أدِرْ كـأســـاً و نـاوِلْــهـا فَسَهْلٌ أوَّلُ الحُبِّ، و لكنْ حُـمَّ مُشكِلُها
يَـضُـوعُ الـمـِسْكُ مِن جَـدائِـلِـها بِريـحِ صَــبــا ومِنْ مَوَّاج ليلِ الشِّعرِ كم تدمَى القلوبُ بِها
يقولُ الشَّيخُ اِصْبِغْ من خُمورِ الرّوحِ سَجادَة فَما مِن سالكٍ إلّا عَليمٌ رَسْمَ مَنزِلها
نحن أمام نص شعري منفتح يتضمن سلسلة لا متناهية من الإشارات والدلالات النصية المفتوحة؛ ذات الطاقات التعبيرية والرموز، أهمها الخمر الوجودية في كأس العبادة، التي تصل بالروح إلى حالة من النشوة والظفر، كيف لا وقد بلغ الوصول حيث درجات المنزل الرفيع، والأمان المحيط؟
وبناء على شهرته التي وصلت الآفاق يكاد لا يخلو بيت في إيران من ديوانه، فالإيرانيون يرون في أشعاره خبايا نفوسهم لذا يتفاءلون بها وليس عبثاً أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية تحتفي كل عام به، شأن الذين خطوا في درب المحبة والجمال والوجود شعراً طافحاً بمساحات النور وأمل الحياة.
د.غيثاء قادرة
تصفح المزيد..