في ورشة الروابي الخضراء: «البيئــة» تلــوّح مــن بعيـــد.. أنقذونــي

العدد: 9359

الأحد: 2-6-2019

 

من رامة لحة إلى ست مرخو إلى المغبيط, تبحث ابنة الحياة عن وطن فلا تسكنه إلاّ في سورية, تدخل من عتبة التاريخ وافدة من مئات آلاف السنين, وكأنهّا ابنة اليوم تؤانس الطبيعة وتعتّق ماضيها بحاضره إشارات علنية ومبطنة أرسلتها ورشة البيئة والتراث الساحلي الرابعة, هي بمثابة تنبيه يسبق الإنذار لمخاطر تهدّد بيئتنا بتنوعها البحري والبري.
الورشة غرّدت بعيداً عن اليوم العالمي للبيئة والذي يصادف 5 الجاري وقد اتخّذ تلوث الهواء بينما نأت الورشة بنفسها إلى (الثقافة البيئية وطاقات الشباب ضمانة لتنمية وإعمار الساحل السوري) كعنوان عريض لجمعية الروابي الخضراء في ذكرى تأسيسها الثامنة, رافق المحاضرات العلمية التي استمرت 3 أيام معارض تضمنت أعمالاً علمية (المكتبة الورقية والالكترونية, صور ضوئية, رسوم أطفال وأعمال يدوية لوحات, حرق على الخشب أعمال خيزران, كتابة وتطريز بالحبوب ولحاء الشجر, رسم) صور كاريكاتير ومنتجات طبيعية.
وبقدر ما اكتنزت بعض المحاضرات العلمية بالمعلومات القيمة محاضرات أخرى طرحت حلولاً بلا مشاكل بطريقة أكاديمية كأنها مصابة بفصام مع الواقع لم تقربه أو تشخصه لا تلميحاً أو غمزاً, يهمس المحاضر د. فواز حيدر هربت من الممارسة الفعلية إلى الجانب العلمي, قلنا له يرمون النفايات الطبية مع العادية في سلة واحدة (بعرف.. بعرف) يقول دون أن يضيف تفسيراً.
دكتور أمير إبراهيم يرمي عبارته (نماء) تمارس عملاً زراعياً في رامة لحّة) تعلق الجملة بأذهان من يعلم أن ( رامة لحّة) هي موئل للطيور المهاجرة فيطالب الحاضرون بإيصال صوت إلى وزارة السياحة ليجيب د. إبراهيم أوصلنا الصوت من زمان وما في صدى.
والدكتور بسام جاموس باحث أثري عالمي شغل منصب مدير عام للآثار والمتاحف في سورية سابقاً استطالت لديه لائحة للمواقع الأثرية المهملة جفّت الكلمات في حلقه وهو ينعي جهوداً قدّمها باحثاً بتاريخ ست مرخو في اللاذقية كهف (مغارة بيت الوادي) في طرطوس حتى تفاعل معه الحضور سائلين عن نتائج لم تثمر بعد فردّ (كنت مسؤولاً وما طلع معي شي) أما الدكتور إبراهيم صقر فوضع جانباً عباءة رئيس مجلس الإدارة للحظات امتعض بها من (إهمال المسؤولين للورشة) ثم عاد وارتداها من جديد فحدثنا عن الندوة ومعرضها المرافق ويتوقع أن الطابع الأكاديمي الذي صبغ محاضرات الورشة جاء من كون د. إبراهيم أستاذاً في كلية الزراعة ومعظم المحاضرين من جامعة تشرين ولم يسجل حضور يذكر إلا لمديرين هما البيئة في الافتتاح والسياحة أثناء عرض معاونته لمحاضرة نظرية عن التسويق الالكتروني ولا تمت لعمل المديرية أو طبيعة الساحل بأي صلة.
الانترنت يتنفس co2
ولاقت محاضرة للدكتور نسيم برهوم عن التلوث الناجم عن الشبكة العنكبوتية قبولاً وأثارت استغراباً، فعشرون ميليغرام من ثاني أوكسيد الكربون تنتج كل ثانية استخدمها شخص ما لموقع ويب و 35 مليار دقيقة يتم تسجيلها عبر الانترنت كل شهر من المستخدمين حول العالم, وعند البحث عن شريط فيديو بسيط مثلاً فإنه يتم إرسال السؤال إلى الآلاف من الخوادم الموجودة في مباني مركز البيانات الضخمة والتي تستخدم الكثير من الانبعاثات وبالخلاصة فإن انبعاث ثاني أوكسيد الكربون المتعلقة باستخدام الكمبيوتر تنافس في حجمها الانبعاثات الناتجة عن صناعة الطيران في ألمانيا.
رؤوس كبيرة
د. كفاح طايع طبيب جراحة بولية قال إنه متطفل على القضايا البيئية حباً بها, فاتفاق نماء عن التعدّي على (رامة لحّة) أمر بسيط ما لم تكن وراؤه رؤوس كبيرة أو إن وزارة الإدارة المحلية لا علم لها بالأمر.
الملوث يدفع
د. سليمان حسين خبير تقييم أثري قال لدينا اشتراطات بيئية صارمة لكن لا أحد يلتزم بها مثل التعدي على الرمال الشاطئية ومنع استخدام الأضواء الكاشفة في البحر منعاً لجنوح الفقمة إلى اليابسة, وكنا في النادي البحري تبرعنا بإجراء الدارسات اللازمة لتحويل صرف المنشآت السياحية عن البحر بتمويل من أصحابها عملاً بالقاعدة (الملوث يدفع) لكن!
إدخال تجريبي
مرح بو أسعد وفواز مرهج من فريق (سلام يا طبيعة) سألوا عن إدخال أصناف جديدة على مناطق التشجير الأمر الذي لم يحبّذه دكتور زهير شاطر فالأشجار الغريبة عادة ما تكون مجهولة السلوك بعد عقد أو أكثر من الزمن وربما ( تكشر عن أنيابها) ضد بيئة المنطقة المدخلة إليها ونصح بالإدخال التجريبي بعيداً عن المحميات.
من المغارة إلى العمارة
تراثنا يعاني من أمراض كبيرة, مغاورنا كهوفنا أوابدنا بديل عن النفط لكنها تحتاج إلى تأهيل وتوظيف, تحت كل حجر في سورية توجد قصة حضارة, هناك تزييف وتحريف, كل شعب يريد أن ينسب لنفسه تراثاً اختص به ( أكلة, أثر, موروثاً) د. بسام جاموس قال كل ما سبق واستفاض أكثر في تفاصيل هي وجع الآثار قبل السياحة, ست مرخو أقدم موقع أثري في العالم ماذا قدمنا لها من سمع بها, شاهدة على حضارة ما قبل مليون عام سكنها الإنسان الأول وأهملها حفيده اليوم, لا لوحات دلالة ولا إشارات تعريفية؟!
مغارة بيت الوادي في طرطوس مساحتها 2000 م2 مقسمة إلى صالات مساحة كل واحد 600م2 سلمناها منذ مدة طويلة لوزارة السياحة, التي تركتها على حالها بعد إغلاقها بباب حديدي.
كهف الديدرية في وادي عفرين- حلب وفيه عثرنا لأول مرة على هياكل متكاملة لأطفال تعود لـ 100 ألف عام قرية المغبيط على نهر الفرات أول قرى زراعية في التاريخ أجرينا دراسة فيها لنباتات تعود لـ 10 آلاف سنة.
البيئة البحرية بعهدتكم
عميدة محاضرات الندوة كانت للدكتور أمير إبراهيم, رئيس جامعة تشرين وعميد المعهد العالي للبحوث البحرية سابقاً وفيها شرح مطولاً عن البيئة البحرية:
طول الشريط الساحلي 184كم معظم المناطق المجاورة له دون 25 م فوق مستوى سطح البحر تقع تحت تأثير مباشر للظواهر البحرية الحالية والمستقبلية الناتجة عن تغيرات المناخ وخاصة ارتفاع سوية سطح البحر وحسب دراسات تم تحديد أماكن القمر المتوقعة بحلول عام 2100 أي بعد حوالي 80 عاماً من الآن, وهي الامتدادات الرملية الشاطئية في الساحل السوري, سهل دمسرخو شمال مدينة اللاذقية بحوالي 6 كم, جوار المعهد العالي للبحوث البحرية (10 كم شمالاً), الدغل ( عرب الملك شمال بانياس, الملّاحة ( جنوب مصب نهر المويلح – المنطار) رامة لحة (منطقة الحميدية جنوب طرطوس)
ولمواجهة هذا ينبغي تأهيل الشواطئ والمياه الشاطئية المتدهورة إقامة الممرات البيئية اصطياد الرمال لحماية التنوع الحيوي.
ويضم شاطئ الشقيفات (حوت جبلة) طيفاً واسعاً من الأحياء الشاطئية وموطن تعشيش السلحفاة الخضراء والسلحفاة كبيرة الرأس, كما أن (الأزهري) هي منطقة إفراط غذائي نتيجة الصرف الصحي إلى البحر.
ميناء اليوغسلافية خالٍ من أي كائن حيواني حي باستثناء بعض القشريات نتيجة التلوث وعدم اتباع معايير عالمية في مدّ الصرف الصحي.
وتمّت تسجيلات عددية آخرها منذ 3 أسابيع في أم الطيور لمشاهده الفقمة وقد غابت الفقمة تماماً منذ عام 2016 عن منطقة صليّب التركمان علماً أنه لدينا أكثر من 12 كهفاً في الساحل مناسباً للفقمة والمطلوب تأكيد تكاثرها في السواحل السوري كي نستطيع الحصول على مشاريع الحماية البيئية لهذه السواحل, وكنّا لمحنا فقمة حاملاً (اعتبرت مهاجرة) ولا بدّ لإثبات التكاثر من رؤية 3فقمات سوية أو وليد واحد.
وعلى العكس تماماً يعيش على شواطئنا 7 أنواع من الحيتان والدلافين دائمة الوجود في المياه البحرية السورية وتمّ تسجيل أكثر من 15 حالة جنوح أو نفوق عليها وخلجان شاطئ الخراب (أنموذجاً), والجزر البحرية التي تملك منها 31 جزيرة هي ملاذ آمن للتنوع الحيوي البحري (طيور بحرية, فقمة, سلاحف.. إلخ) من برج إسلام , قبالة حي الأزهري, جزر أبو علي, أرواد, الحمام.
وهناك87 من المجاري المائية الساحلية 40منها دائمة الجريان و37 موسمية و7 تشكّل مصبّات أنهار حقيقية (الكبير الشمالي, الروس, السن, الحصين, الغمقة, الأبرش, الكبير الجنوبي) يتداخل خلالها ماء النهر مع البحر وهي موائل متعددة للكائنات الحيّة.
والمحميات البحرية السورية لدينا لا تخضع لمعايير التصنيف الوطني أو الدولي وهناك محميتان مصنفتان خطأ على أنهما بحريتان, ومحميّاتنا هي:
– فنار, ابن هاني, تحت وصاية وزارة الزراعة بمساحة 1000 هكتار معلنة بحرية لكنها من دون خطة إدارية كذلك الحال بالنسبة لمحمية البسيط (غابوية ساحلية) معلنة بالقرار 25/5/1999 بمساحة 3000 هكتار, ومحمية أم الطيور بمساحة 1000 هكتار
البسيط- أم الطيور محمية بحرية مقترحة من ( RACISPA) تحت وصاية الإدارة المحلية مع خطة إدارية منذ عام 2008 بمساحة 9000 هكتار.
للرامة قصّة خاصّة
(رامة لحّة) يعرفها الغرب ونجهلها نحن, عندما أثير أسمها أمام د. أمير في مؤتمر ببرشلونة المدينة الإنسانية كان الدكتور أمير يلتفت حوله وهو الباحث البيئي المواظب عاد إلى بلده (سورية , أخذ منه البحث عن (رامة لحّه) 3 أشهر حتى حدد موقعها رامة لحّة منطقة شاطئية مساحتها 50 هكتاراً فقط تقع قرب قرية بني نعيم التابعة لناحية الحميدية- طرطوس, ذات خصوصية عالمية مسجلة بموجب اتفاقية رامسار 1970 وموضوعة على قائمة التراث البيئي العالمي كونها الوحيدة من نوعها في حوض البحر المتوسط وكانت قبلاً بحيرة شاطئية متصلة بالبحر وتعج حالياً بالتنوع الحيوي الفريد وخاصة الطيور المهاجرة التي تتخذها محطة لها لكن على ما يبدو وستجبرها أعمال (نماء) الزراعية على تغيير مسارها!
قلّة بيع و(خليها على الله)
يجلس علاء إبراهيم بين شتوله التي نقل بعضها من مشتله في بسنادا إلى صالة المركز الثقافي في الطابق الثاني ينتظر قارعاً لجناحه المفتوح على جناح المرأة الريفية التي تشرف عليه المهندسة نسرين سلامة تبيع لنساء ريفيات ضمن بدعم الدائرة مستلزمات منزلية متنوعة لكن البيع قليل والزوّار قلال:
روزان صالحة ولما محمد مهندستان أشرفتا على جناح مديرية بيئة اللاذقية صبيّتان جميلتان لا تبغيان شيئاً من العرض , إنها التوعية التي تلعب دورها المديرية هذه الأيام في ظل غياب دورها الرئيسي.
تقول صالحة: تمّ انتقاء عشوائي لأعمال طلابية اعتمدت الفن الأوريغامي في تشكيلات فنية جميلة من إعادة تدوير ورق, سيوبات , قشر بيض, عيدان بوظة.
ملأت جدران الطرق الآخر من صالة العرض لوحات بعضها للخطاط جهاد عسّاف الذي اكتفى بإطلاق محاولات على أعماله المعدّة للبيع رسم منها الكلمات بالخط العربي راح يشرح لنا كلفة كل لوحة ليس في الأمر ريب (أقله بيع بسعر الكلفة) وكرمى عيون البيئة تتصدر العرض لوحة بانورامية أظهرت جمالية شواطئ الساحل على المقلب الآخر لم يخجل مصورها لوحة أخرى من رصد عورة التلوث البصري في شواطئ خلّف زوارها بقايا الطعام وأسطح ملأتها (الدشّات)..

 خديجة معلا

تصفح المزيد..
آخر الأخبار