الوحدة:1-10-2023
يصف الخبير الجيولوجي رامي عبيدي السدود السورية بالمتينة وجيدة التصميم، وتخضع للصيانة الدورية والرقابة الدائمة، إلّا أنّ قِدم هذه السدود المبنية بمعظمها في السبعينيات من القرن الماضي، إضافة إلى النشاط الزلزالي الذي تشهده المنطقة الذي من المرجح استمراره لفترة طويلة، وما يمكن أن يكون قد لحق بهذه السدود من أضرار بنيوية وتشققات مرئيّة وغير مرئيّة، وإلى وجود الكثير من التجمعات السكانية والأحياء العشوائية التي بنيت بالقرب من سرير النهر تحت منسوب تلك السدود، يجعل الخطر قائماً مع دخول الأرض حقبة من الانهيار المناخي.
ويضيف الجيولوجي عبيدي: تعتبر الزلازل عاملاً آخر يُضاف إلى تغيّر المناخ وعامل الزمن ليزيد القلق بشأن مخاطر السدود القديمة، لأن تصميم تلك السدود لم يأخذ بالحسبان التطرّف المناخي والنشاط الزلزالي الذي يشهده العالم حالياً، فالأحداث المناخية كالعواصف والأعاصير المتوسطية المعروفة بإسم (Medican) كانت تتكرر في الخريف والشتاء كل بضع سنوات من القرن الماضي في غرب المتوسط، بينما أصبحت الآن حدثاً اعتيادياً حتى في الصيف، وتضرب مباشرةً بعد موجات الحر الشديدة التي تصيب جنوب أوروبا والبحر المتوسط، مع تطور هذه الأعاصير وتعمقها باتجاه سورية والسواحل الشرقية للبحر المتوسط، إضافةً إلى الزلازل من مرتبة 7 درجات فما فوق التي كانت تتكرر حول العالم بمعدل مرّة كل 5 – 10 سنوات، أصبحت تتكرر عدة مرات في العام الواحد, كهذا العام الذي شهد أربعة زلازل مدمرة من مرتبة 7 درجات فما فوق، مما يُضاعف من احتمال انهيار السدود القديمة أو تصدّعها في أحسن الأحوال، وهذا يتطلب تكثيف أنظمة الصيانة وتعزيز وتطوير أنظمة المراقبة والإنذار المبكر لهذه السدود ولجميع المسيلات المائية، خصوصاً أنّ بعض الأحياء السكنية في المدن والأرياف السورية قائمة على سرير النهر تحت منسوب السدود الكبيرة، فمنسوب الأحياء الجنوبية لمدينة اللاذقية مثلاً المكتظّة بالسكان وهي بمعظمها من العشوائيات مساوٍ تقريباً لمنسوب مصب النهر الكبير الشمالي، وبعض القرى كقرية اليعربية تقع تماماً على مصب النهر بجوار ضفّته وبعض المنازل ملاصقة فيها لمياه النهر في الأحوال العاديّة، بينما هي أخفض بكثير من منسوب سد 16 تشرين الذي يبعد عنها أقل من 30 كم، إضافة لوجود 14 سداً في محافظة اللاذقية معظمها ترابية ومختلطة وسد بيتوني واحد هو سد الحفّة، وبالرغم من علمنا بوجود كادر فني مناوب على مدار اليوم لمراقبة السدود وتشغيلها وحتى إن كانت هذه السدود متينة وسليمة فمن الواجب قيام الفرق الفنية بالكشف الدوري على بحيرة وجسم السد وبوابات التصريف ومآخذ الري والتفريغ وصيانة جميع القساطل المعدنية المتصلة بها، وتسجيل أدق الملاحظات وأبسط التشققات الظاهرة على الجدران البيتونية والقياس الدوري لمعدّل الانزياحات والهبوطات، وصيانة هذه السدود لتلائم الكود الزلزالي الجديد.
إنّ انهيار سد درنة الليبي وما خلفه من آلاف القتلى وأكثر من 40 ألف نازح يجب أن يكون بمثابة صافرة إنذار للإسراع في صيانة هذه السدود وتطوير أنظمة المراقبة عليها قبل اقتراب موسم الأمطار، عطفاً على التشدد في تطبيق القوانين التي تمنع العشوائيات، كما في الأحياء الجنوبية من مدينة اللاذقية مثلاً، فهي لا تصمد في وجه الفيضانات كصمود الأبراج الطابقية، المطابقة للمعايير الهندسية، والمصممة فوق بنية تحتية مجهزة مسبقاً للتصريف المطري ولأسوأ الأحوال البيئية والهزّات الأرضيّة، كما أن الإخلاء السريع للعشوائيات إذا دعت الحاجة هو أمر شبه مستحيل ومعقّد للغاية، فنفس الإعصار دانيال مرّ بسلام في تركيا واليونان بينما خلّف كارثة بشرية وآلاف الضحايا في ليبيا، وهنا يبرز دور البنية التحتية وسرعة الإنذار والاستجابة.
تكمن الخطورة الأكبر في السدود التركية على الأنهار التي تمر عبر الأراضي السورية والعراقية، فهذه السدود تحتجز المياه صيفاً وتحرم بلداننا من حصصها المائية مسببة الجفاف، في حين تشكل قنابل موقوتة وخطراً كبيراً على العديد من المدن المأهولة بالملايين من السكان، الواقعة على ضفاف مجاري تلك الأنهار, كالفرات ودجلة، وروافد الكبير الشمالي التي تنبع من لواء اسكندرون، وشيدت عليها تركيا عدة سدود يتعاظم خطر انهيارها بوجود النشاط الزلزالي والتطرّف المناخي، إضافةً إلى ضرورة إجراء تقييم شامل للسدود السورية كسد الفرات، وسد 16 تشرين، وسد الرستن.
وختم الجيولوجي عبيدي حديثه قائلاً: إنّ سلسلة الزلازل التي ضربت هذا العام تركيا وسورية والمغرب لن تكون الوحيدة، كذلك التطرف المناخي الذي نجم عنه جملة من العواصف والأعاصير الصيفية المتوسطية، كالإعصار دانيال الذي أدى إلى فيضان وانهيار سد درنة الليبي، ليست جميعها إلّا مقدمة وصافرة إنذار لما ستفعله التغيرات المناخية من احترار وجفاف إلى أعاصير وعواصف مطرية مفاجئة، بالإضافة للنشاط الزلزالي الناتج عن التقلبات المتسارعة في البنية التكتونية العميقة للأرض الناجمة عن النشاط الجيولوجي لباطن الأرض والانزياحات والإبطاءات الدورانية الطفيفة في السرعة الفلكية للكوكب, يجب أن تدفعنا لمسابقة الزمن بتطوير البحث العلمي والبنى التحتية والتشدد في تطبيق قوانين البناء والتقييم الدوري للمنشآت الكبيرة كالسدود والجسور, ووضع الخطط للطوارئ، عبر تصميم نظام تحذير مبكر مرتبط بنظام مراقبة إلكتروني شامل لجميع السدود السورية والتركية على الأنهار والمسيلات المائية التي تجري في الأراضي السورية, وإجراء دراسات دورية ونشر الخطط ونتائج الدراسات البيئية في وسائل الإعلام على سبيل التوعية, وتجنّب مخالفات البناء والابتعاد عن السكن في العشوائيات وبالقرب من المجاري المائية ما أمكن, ووضع تشريعات وقوانين جديدة تلائم هذه المتغيرات وتحد من ظاهرة العشوائيات تدريجياً.
هلال لالا