الوحدة: ٢٥-٨-٢٠٢٣
في دراسة للدكتورة عبير حسن، الأكاديمية والتي تكتب وترسم للأطفال، تم إلقاء الضوء حول مفهوم التحريف أو الخروج عن المألوف في الرسوم التي تتضمنها الكتب الموجهة للأطفال، حيث عرفت الباحثة حسن بداية التحريف بأنه الابتعاد عن التجسيد الموضوعي للأشكال والألوان والأزمنة والأمكنة والعلاقات…، وذلك عندما يتلاعب الفنان بنسب وأشكال وهيئات وأوضاع شكل ما طبيعي بحيث يصعب تمييزه، وهذا يُسَمى تحريفاً كُلياً، أو يتلاعب بجزء فقط منه فيكون ذلك تحريفاً جُزئياً. وهو بذلك يعد أمراً طبيعياً ، بل ويعتبر في أحيان كثيرة، من صميم العملية الإبداعية.
وانتقلت د. حسن بعد ذلك إلى المزيد من التفصيل في مضمون التحريف وأدواته والآليات والتقنيات المستخدمة للتعبير بواسطة التحريف في كتب الأطفال، قائلة :
يتضمن التحريف قدراً مُهِماً من التجريد، الذي يتطلب عمليات من الاختصار، أو الاختزال، أو التضمين، أو الحذف أوالمبالغة… بالإضافة إلى الكثير من الخيال المرتبط بالشكل وهيئته بدرجة كبيرة، فيصنع الفنان بمقتضى ذلك كله عالماً غرائبياً وخاصاً جداً.
فلكل فنان مدخله “التشكيلي” الخاص لعمله الفني. وبقدر ما يكون هذا المدخل نابعاً من عقله وروحه وأفكاره ورؤيته الاستشرافية لما يقدمه، وأيضاً من قدراته الفنية ومهاراته الأدائية، واكتشافاته المستمرة، يكون عمله الفني أصيلاً، وقوي التأثير، ومحل تقدير، حتى لو اختلفت حوله الآراء، مع الإدراك الواعي بأن القيمة المُحددة لأهمية الرسم المصاحب لكتاب للطفل، لا يجب أن تُقاس بقربها من الواقع، أو بدرجة تخليها عنه، بتحريفات وتحويرات، في كثير من الأحيان يكون لا معنى لها، ومن ثم فإنها تُشَوِه وتُفْسد ذائقة الطفل الجمالية، وذلك فقط حين يتخذ “التحريف” هدفاً وغاية، يحصد بها دهشة مُريديه!. فيسيء بوعي وبغير وعي إلى قيمة الخط الجميل ودلالته، الفراغ، الضوء، الإيقاع… … وعلاقات اللون والعناصر والتفاصيل. يلتقط من هنا وهناك بقلب بارد، وبأداء مُقَلِد و ركيك.
وأوردت د. حسن في دراستها نموذجاً ممتعاً وأصيلاً لعمل الفنانة (إلك تريتيل) Elke Trittl، التي تتسم أعمالها الغزيرة بالأصالة، وبعالم غرائبي الشكل واللون، و”بتحريفات” مفاجئة لعناصر موضوعاتها، عالم فيه الكثير من خصائص ولمسات رسوم الأطفال أنفسهم. وخاص بها تماماً، وهو كما تتحدث عنه الفنانة نفسها، مرتبط بها، وبرحلتها حول قارات العالم الخمس لمدة خمسة عشرة عاماً، و بالصور التي علقت في رأسها طوال هذه الرحلة.
وقدمت الباحثة تعريفاً ب (إلك تريتيل) وهي ألمانية المولد، تعيش في جنوب فرنسا، تعكس أعمالها نمطاً من التفكير الفني الحر والواعي في ذات الوقت، تتعمق “رأسياً في تجربتها الفنية، داخل مساحتها الفنية التي حددتها لنفسها، بتجارب لا نهائية ممتعة للشكل واللون والبناء والملمس، بخامات ووسائط فنية متعددة ومختلفة: ألوان أكريليك، أحبار، أقلام رصاص، ألوان زيتية، عجائن ورقية، أوراق مفضضة ومذهبة، رمل، معادن، خيوط، أسلاك… وقائمة لا تنتهي مما تصادفه.
فدوى مقوص