الوحدة : 21-8-2023
عن عمر ناهز 82 عاماً، نعى اتحاد الفنانين التشكيليين في سورية والوسط الثقافي والفني الفنانة التشكيلية ليلى نصير، التي اشتهرت بجرأتها الفنية فقد ولدت في عائلة مهتمّة بالأدب والثقافة، وفي الستينيات ذهبت إلى مصر لدراسة الفن، وتخرّجت من كلية الفنون في القاهرة عام 1963. حازت على جائزة الدولة التقديرية للآداب والفنون في نسختها الثالثة، باعتبارها أحد روّاد الفن التشكيلي السوري، وتقديراً لإنجازها الإبداعي الذي تمخضت عنه مسيرة امتدت لخمسة عقود، اختبرت خلالها الأساليب والتيارات الفنية على اختلافها، وأنتجت أعمالاً فنية ذات خصوصية وقيمة إبداعية.
عملت الفنانة الراحلة أستاذة محاضرة في كلية العمارة بجامعة تشرين، واقتنت أعمالها مؤسسات رسمية وخاصة من بينها المتحف الوطني في دمشق، ووزارتي الثقافة والسياحة، وحصلت على براءة تقدير من رئاسة مجلس الوزراء عام 1989.
وعن الفنانة الراحلة ومكانتها كرائدة من رواد الفن التشكيلي السوري قال الفنان التشكيلي فريد رسلان – رئيس فرع اتحاد الفنانين التشكيليين في اللاذقية:
کان للفنانة الراحلة ليلى نصير إسهام كبير ودور فاعل في نشأة الفن السوري المعاصر وتطوره، وقد كانت تنتمي إلى جيل الرواد الثاني الذي أكمل مـسيرة الرواد الأوائل، وقد تجلى ذلك الدور من خلال معارضها المتعددة الفردية والجماعية حيث قدمت نتاجاً متميزاً يتسم بالأصالة والإبداع، واستلهمت موضوعاتها من حياة الناس البسطاء ومعاناتهم الإنسانية و أيضاً تأثرت بالفن المصري القديم حيث كانت دراستها في كلية الفنون الجميلة بالقاهرة أما أسلوبها فكان واقعياً ثم تعبيرياً، وقد استخدمت في إنتاج أعمالها تقنيات فريدة تمثلت بالمزج بين عدة خامات لونية في اللوحة الواحدة أحياناً كما استندت إلى تقنية الطباعة في أحيان أخرى … ولم يقتصر دورها على المعارض كوسيلة لنقل خبراتها الفنية وتنمية التذوق الفني والحس الجمالي لزوار تلك المعارض.. بل تعدى ذلك إلى الملتقيات والندوات الفنية التي كانت تشترك فيها إضافة إلى قيامها بتدريس المادة الفنية لطلاب كلية الهندسة المعمارية في جامعة تشرين لفترة طويلة
وبالمجمل فإن رحيلها كان خسارة كبيرة للحركة الفنية التشكيلية السورية ولا يسعنا إلا أن نقول: لروحك السلام أيتها الفنانة التشكيلية الرائدة.
أما الفنان التشكيلي بولس سركو، فقال:
كتب الكثيرون عن الفنانة الراحلة ليلى نصير تعريفاً ودراسات وكشف لتقنياتها ومزاياها وشخصيتها وتحصيلها العلمي وموضوعاتها.. إلخ لكن أحداً لم يكتب عن ذلك التناقض الصارخ بين الجانب النظري وواقع النتاج الفني عند الفنانة الرائدة ليلى نصير كما هو عند العديد من الرواد مثل لؤي كيالي وفاتح المدرس وغيرهما من المتأثرين بالفلسفة الجمالية الغربية بما تتضمنه من حشر سياسي دعائي متخفٍ ومبطن كان مجيشاً في الحرب الثقافية القائمة ضد الثقافة السوفيتية وتحديداً الواقعية الاشتراكية فقد رددوا جميعاً ما تلقوه من نظريات من قبل أساتذتهم الغربيين من معانٍ لحرية الفن ووجهوا طلابهم نحو (الفن للفن) وسخروا مهاجمين مفهوم الالتزام، لكن إنتاجهم الفني فعلياً كان فائضاً بالتزامهم الاجتماعي والإنساني والأخلاقي المتأصل داخل وجدانهم، فالفنانة ليلى نصير حقيقة لم ترسم سوى وجوه البؤساء الذين تعج بهم شوارع مدننا بعيونهم التي تروي تفاصيل البؤس والظلم فمن وجهة نظري هذه أعظم وأنبل ميزة في أعمال الفنانة الراحلة رغم أنها ليست الميزة الوحيدة فقد صرحت في حوار أجريته معها قبل سنوات لصحيفة النور السورية حول التوجهات الفنية الحديثة بما يشير إلى معرفتها التامة بالطريقة التي تدير فيها تروستات المال في الغرب تلك التوجهات وأعتقد أنه كان آخر حوار لها بعد تأزم حالتها الصحية التي اضطرتها لمغادرة منزلها القديم في أحد الأزقة الضيقة وسط المدينة والذي لم تعد إليه أبداً، فقد تم نقلها إلى المشفى السوري بداية حيث لقيت كل الاهتمام من قبل الإدارة والكادر الصحي في المشفى وتمت زيارتها من قبل مجلس إدارة فرع اتحاد الفنانين التشكيليين ومن قبل لجنة الثقافة في مجلس المحافظة وكذلك من قبل العديد من الفنانين والأدباء، ثم قام وفد من الاتحاد المركزي للفنانين التشكيليين بدمشق بزيارتها عندما نقلت إلى دار الراحة للمسنين في اللاذقية، كما بقينا على تواصل دائم مع إدارة الدار لتتبع أخبارها إلى أن رحلت عن عالمنا.. رغم ذلك أنا لا أدعي أننا قمنا بكل ما يترتب علينا القيام به تجاه مبدعينا ولكن الظروف الاجتماعية الاستثنائية التي نمر بها لا شك أنها تفرض إيقاعها على الجميع.
ريم ديب