الوحدة: ١٤-٦-٢٠٢٣
سمع المواطنون كل الشعارات التي تحدثت عن أهمية الزراعة، وآمنوا بها إيماناً مطلقاً، ومن لا تستهويه الفكرة، اضطر للسير فيها مرغماً، وعاد إلى أرضه المهجورة مكبلاً بهموم معيشية لا يجاريها أجر زهيد يتقاضاه في نهاية الشهر، فالارتفاع الجنوني لأسعار جميع السلع مقارنة مع تدني مستوى دخل الفرد، دفع العديد من المواطنين الذين يملكون حيازات صغيرة أو متوسطة للجوء إلى الزراعة كعامل مساعد في تأمين احتياجاتهم الغذائية الأساسية، سواء بتأمين طعام نباتي بعد أن أصبحت الغالبية العظمى من المواطنين غير قادرة على شراء اللحوم بكافة أنواعها، أو كدخل إضافي من خلال بيع مايزيد عن حاجتهم في محاولة بائسة لتأمين عيش كريم، إلا أن تلك المحاولات اصطدمت بجدار الواقع، فتربعت الكهرباء على عرش تلك المعاناة، وتحديداً عندما لجأ المزارعون للسقاية من المياه الجوفية والآبار، ولكن هيهات أن تنجح مساعيهم، فرفع المياه من الآبار يحتاج إلى الكهرباء، والكهرباء عزيزة غالية، ولا تطل برأسها إلا كومضات، فكان الخيار الثاني هو اللجوء إلى المولدات الكهربائية، ولكنها أيضاً خارج الممكن، لأنها بحاجة إلى مشتقات نفطية ذات التكلفة العالية، لتصبح الخسارة محققة بلا أدنى شك، وهكذا دواليك (يا زراعة).
* تقنين كهربائي جائر ..
موظف في إحدى المؤسسات العامة يتحدث عن مغامرته مع الزراعة قائلاً: اتجهت إلى زراعة أرضي التي لا تتجاوز مساحتها الدونم بالباذنجان والفليلفة، آملاً بأن يساعدني مردودها على تحسين وضعي المعيشي،لكوني معيل لأسرة تتكون من سبعة أشخاص، ولا أملك سوى راتبي الذي أتقاضاه من وظيفتي، إلا أن وضع التقنين الكهربائي لا يبشر بالخير،فأنا أعتمد في سقاية أرضي على البئر الموجود فيها، إذ لا تتجاوز مدة وصل التيار الكهربائي نصف ساعة فقط كل ست ساعات مما يؤثر على عملية الري ونمو الخضار التي تحتاج إلى مياه وفيرة ولا أملك القدرة المالية على شراء مولدة تعمل على المشتقات النفطية، ولدي مخاوف أن تذهب جهودي وأخسر مزروعاتي وفرصتي في النجاة من الغرق ببحر الجوع.
* اللجوء إلى المولدات..خيار خاسر..
يقول أحد المتقاعدين: أنهيت سنوات عملي و عدت إلى قريتي، لأستثمر أرضي (التي تبلغ مساحتها حوالي دونمين) ليكون إنتاجها رديفاً لمعاشي التقاعدي، وذلك بزراعة ورق العنب الفرنسي الذي اعتبر في السنوات الأخيرة “جوكر” الزراعات الصيفية لكون كلفته قليلة وأسعاره مناسبة، إلا أنه يحتاج إلى كميات كبيرة من المياه لأنها العامل الأساسي في نموه الخضري، الأمر الذي شكل تحدياً كبيراً في وجه نجاح المشروع، فالكهرباء في قريتي لا تأتي أغلب الأوقات سوى نصف ساعة وأوقات قليلة من الممكن أن تستمر لمدة ساعة، وفي كلتا الحالتين لا تكفي هذه المدة لإرواء شجيرات العنب لدي، الأمر الذي اضطرني – كي لا أخسر زراعتي – إلى اللجوء لشراء مولدة تعمل على البنزين وشراء المادة من السوق السوداء بأسعار مرتفعة، إذ بلغ سعر لتر البنزين (٨٠٠٠) ل.س وأنا بحاجة إلى لترين كل خمسة أيام،الأمر الذي يضاف إلى جملة التكاليف الأخرى من رش مبيدات وأسمدة ورقية، بالإضافة إلى أجور العمال، مضيفاً أنه لو كانت الكهرباء متوفرة لمدة ساعتين لما اضطر لهذه المصاريف الزائدة وكان قد صرفها على أسرته.
* معاناة وأعباء ..
ويقول صاحب بستان حمضيات: معاناة المزارعين متمثلة بغلاء أسعار المواد الزراعية وكلفة الري في ظل وضع الكهرباء الراهن، إذ إن وصل التيار الكهربائي لمدة نصف ساعة كل ست ساعات لا يكفي لإرواء (١٠) أشجار من الحمضيات المعمرة المعروفة بحاجتها إلى مياه وفيرة في فصل الصيف، و في حال اضطر المزارع للبحث عن حلول بديلة والمتمثلة بمحركات الديزل أو المولدات العاملة على البنزين، فإنه سيصطدم بعائق كبير، وهو غلاء هذه المحركات والمواد المشغلة لها، إذ تحتاج هذه المحركات إلى ليتر أو ليتر ونصف لكل ساعة تشغيل، وتكلفة الليتر الواحد من المازوت ( ٥٠٠٠) ل.س وليتر البنزين ( ٨٠٠٠) ل. س بالسعر الحر، الأمر الذي يزيد من أعباء وهموم المزارع.
* كلمة أخيرة
مما لا شك فيه، أن الحاجة للكهرباء التي تشكل عصب الحياة أصبحت ملحة، وهي الحل لأغلب المشاكل التي يعاني منها المواطنون، وعلى الرغم من الوعود الكثيرة من الجهات المعنية بتحسن الواقع الكهربائي إلا أن بصيص الأمل قد يكون معدوماً لديهم وذلك لكثرة الخيبات التي تعرضوا لها سابقاً، عسى أن تحمل قادمات الأيام واقعاً مختلفاً.
هنادي عيسى