الوحدة : 9-6-2023
بتنا جميعاً ندرك أن الغلاء المعيشي يسيطر على جميع قوائم متطلبات أفراد أسرنا واحتياجاتهم اليومية، سواء داخل المنزل أوخارجه وأصبح يشكل عبئاً ثقيلاً على أرباب الأسر ومعيليها، حيث فرض هذا الواقع عليهم البحث عن أكثر من مصدر دخل لتوفير الحد الأدنى من متطلبات أبنائهم في ظل هذه الظروف المعيشية القاسية.
أحاديث مختلفة موجعة سردها لنا عدد من المواطنين حول كيفية تدبير أمور أسرهم ومتطلبات أبنائهم في ظل سرعة ارتفاع عداد الأسعار الذي يستنزف جيوبهم بين اللحظة والأخرى.
السيد علي شاب في الأربعين من العمر موظف حكومي لم يتزوج بعد والسبب الأول وفاة والده منذ ثلاثة أعوام وتحمله مسؤولية عائلته المؤلفة من خمسة أشخاص وهذا ما أجبره على البحث عن عمل مسائي إضافي آخر في أحد المطاعم منوهاً أن المبلغ الذي يجنيه من وظيفته الصباحية وعمله المسائي معاً حوالي ٣٥٠ألف ليرة سورية، وهذا المبلغ لا يكفي لتأمين بعض متطلبات عائلته بالكاد خلال الشهر ولمدة أسبوعين على الرغم من حرمان عائلته من أشياء كثيرة واتباع أسلوب التقنين بشراء الضروريات منوهاً أنه يضطر للاستدانة من بعض المحلات التجارية لتأمين المواد الغذائية للمنزل ومن ثم دفع الحساب في آخر الشهر للبائع، مشيراً إلى أنه في أغلب الأحيان يتراوح حساب السوبر ماركت بين ٢٠٠إلى ٢٥٠ ألف ليرة سورية، وهنا يقوم بدفع جزء من المبلغ ويكمل الباقي في الشهر التالي وهكذا، وينهي السيد علي حديثه بحسرة: فما بالكم بتأمين الأدوية اللازمة لأمي المريضة وبقية المتطلبات الشخصية الأخرى لي ولأخوتي؟ من لباس ومصاريف تنقلات وغيرها مضيفاً: إن المليون ليرة سورية لم تعد تفي بالغرض في ظل هذا الغلاء.
وعندما سألنا السيد علي عن فكرة الزواج والاستقرار ضحك باستهزاء مجيباً: هل أزيد الطين بلة ..؟ إن كنت لا أستطع تأمين متطلبات أفراد أسرتي بالكاد فكيف لي الزواج ؟ وهذا حلم محال أن يتحقق لقد تناسيت الموضوع تماماً ….
أما السيد زهير فقد بدأ حديثه قائلاً : متطلبات أسرتي اليومية خلال الشهر تتجاوز ٦٠٠ ألف ل.س وأكثر رغم أنني موظف وزوجتي أيضاً موظفة، ولكني أشعر بالعجز أمام ظروف الحياة القاسية وهذا الغلاء غير المنطقي مقارنة بالدخل الضئيل الذي لا يتجاوز ١٠٠ ألف ل.س، منوهاً أن لديه ثلاثة أولاد وهو يشعر بالحزن لأنه لايستطع تقديم كل شيء لأبنائه كالسابق قائلاً : إن شراء قطعة ملابس واحدة يعادل سعرها راتبي بالكامل فكيف لي تأمين جميع متطلبات عائلتي إضافة لمصروف المنزل اليومي؟ ولكن الذي يزيد السيد زهير يأساً هو أن ولده الأكبر خلال هذا العام مقبل على مرحلة الدراسة الثانوية الأمر الذي يتطلب المزيد من الاهتمام وتخصيص مدرسين له في بعض المواد الصعبة ولذلك هو يشعر بالعجز بين تأمين متطلبات منزله وبين كيفية تأمين مستقبل ولده الأكبر، مؤكداً أنه لا يوجد أي حل لديه سوى سحب قرض على راتبه ليتمكن من إيجاد حلول لمتطلبات عائلته وهذا ما سيفعله حسب قوله.
السيد رامي ٤٧ عاماً، لدى سؤالنا عن الوضع المعيشي وكيف يتدبر أمور معيشته مع ارتفاع الأسعار المستمر لمتطلبات الحياة أجاب:
أفضل شيء أنني غير متزوج وأنا أتدبر أمر نفسي من راتبي الذي يكفيني أجور تنقلات وثمن عدد من علب السجائر
أما بالنسبة لمتطلباتي الأخرى فكثيراً من الحاجيات تناسيتها تماماً بسبب هذا الغلاء وخاصة اللباس… أما دخول المطاعم وتناول وجبة غذائية ما فهذا الموضوع أصبح حلماً للموظف أو للمواطن بشكل عام لأن وجبة الطعام لشخص واحد تعادل نصف الراتب أو ربما الراتب بأكمله, فكيف لي بالزواج أو تحمل مسؤولية أسرة؟ لذلك لن أفكر بالزواج أبداً في هذه الظروف المعيشية القاسية.
وحول غلاء الواقع المعيشي وغياب الأهل لوقت طويل خارج المنزل بعيداً عن أبنائهم بهدف تأمين لقمة العيش ومتطلبات أسرهم والنتائج الناجمة عن هذه الظاهرة المجتمعية الراهنة، التقينا اختصاصية علم الاجتماع الأستاذة نهلة خضيرة حيث وضحت لنا قائلة: تنعكس صعوبات المعيشة بشكل كبير على العلاقات بين أفراد الأسرة إذ كل فرد بموقعه يخشى الطلب من القائمين على تدبر أمور ونفقات الأسرة سواء الأب أو الأم وحتى الأخ، كما أن الشخص المسؤول عن تدبر أمور الأسرة كاملة يشعر بالظلم والغبن لسببين: الأول أنه غير قادر على تأمين جميع متطلبات أسرته، والسبب الثاني حرمان نفسه من كل ما يتمناه والتضحية بحقوقه الشخصية بهدف إرضاء أفراد أسرته وتأمين حاجياتهم.
وتضيف خضيرة: لينتهي بنا المآل إلى المجتمع الذي أصبح مكوناً من أفراد أنهكهم السعي والتدبر بعيون شاردة خائفة من متاعب المعيشة وهموم الغد التي أوقفت جميع طموحاتهم لينتج عن ذلك الشلل الكامل في حياة الأفراد وبالتالي العيش في مجتمع راكد ومع البحث عن الحلول لتأمين متطلبات أفراد الأسرة لا يكون أمام رب الأسرة سواء (الأب أو الأم) إلا العمل المضاعف وبالتالي الغياب عن المنزل لوقت طويل وربما السفر أو الهجرة وهنا تطبع الآثار السلبية نتائجها لانفصال الأهل عن الأولاد إذ نرى الأبناء ينعطفون في أزقة التمرد وممارسة رغباتهم المتمردة وإن كان الأمر يضر بأسرهم إلا أنهم مع غياب الأهل لا يأبهون لذلك، وقد نراهم في بعض الحالات يجادلون بأنهم مظلومون وعلى الأهل تحمل المسؤولية والبذخ عليهم وهنا تصبح مسؤولية الأم مضاعفة من أجل ضبط الأبناء والحفاظ عليهم مع غياب الأب أو العكس.
جراح عدره