محبة الوطن لا يحدّها حدّ

العدد: 9349

الأحد-19-5-2019

 

وجاء أيار، ومر عيد الشهداءـ فتجددت ذكرى الذين لم تهن عزيمتهم، ولم تضعف قلوبهم أولئك الذين سطروا ملاحم العزة والكبرياء، فحاربوا (العصملي) حتى الموت، أولئك الذين علقوا على المشانق من أجل الوطن، فعلمونا كيف تكون محبته، وكيف يقدم الأحفاد أرواحهم اليوم رخيصة في الدفاع عنه، وكيف يسقون أرضه بدمائهم ليغسلوا أدران المحتل، وأوساخ المتآمرين.
إنها الذكرى التي لم ولن تمحها الأيام، ولن تزيدنا السنون إلا تصميماً على المضي قدماً على خطى الشهداء الذين لقنوا المحتل دروساً في الصبر والوطنية فعرف وغيره كيف ينتصر الشرفاء، لنزداد صموداً وألقاً وعزيمة، وسيظل حب الوطن وساماً يتوارثه الأبناء والأحفاد على الزمان.
الوطن هو الأرض والإنسان، حيث الدفء في النفوس، والطمأنينة في القلوب ليظل الوطن بقيمه ومثله ومبادئه الملجأ الأمين الذي يلجأ إليه المتعبون في الأرض كلما عصفت بهم رياح الشك والاغتراب.
الوطن هو الخميلة التي يتفيأ ظلها، لنستاف منها الريح الطيبة، والهواء العليل الوطن هو النبع الثري الذي نشرب من مائه العذب النمير، فيتجدد فينا نسغ الحياة الزاخرة خصوبة وعطاء.
الوطن هو الحياة برمتها، بمفرداتها المتعددة، هو الهواء والماء، هو العلاقة التي تعبر عن جمالية السمو في القول والفعل، الوطن هو الذات الطهور في أحاسيسنا ومشاعرنا المجبولة بمعان خالدات تتوشح خلجات نفوسنا شرفاً وعزة وانتماء.
الوطن هو الأم طهارة وعفة وعطاء، هو النظافة والكياسة والإباء، هو الخلود في عذريته وجوده وصفاء نوره هو الأمس والحاضر والمستقبل، هو البقاء سحراً وجودياً تزينه الألوان المترفة لإشراقات مفتوحة بلا حدود فناً، هو الإنسان المضاف إلى الطبيعة، هو الجماليات كلها في الشكل والمضمون، هو المكان والزمان قداسة مرسومة على الوجوه الطافحة بشراً في تسام لا متناه لمستويات عليا تبحر بعيداً في صورة كلية تحتضن آلافاً من الصور الجزئية التي تجمل الواقع بمسحات أزلية من الحب والخير والجمال نفحات عاطرة للنقاء المحمول على ضمائر حية لا تعرف الغش أو الرياء..
وهنا لا بد من القول: لقد سألت نفسي أكثر من أي وقت مضى، كيف لمن عاش في وطن وأكل من خيره وتعلم فيه أن ينقلب عليه؟! وهل وصل الجحود وقلة الأصل إلى الخيانة؟ رأيته أمس الأول يتحدث على إحدى القنوات باسم العملاء من اسطنبول، وقد تملكتني الدهشة، كيف تبدلت حاله، فغدا ممسوخ القامة، كالح الوجه، أورد الأسنان، عشق الذل فتغيرت سحنته، لابساً ثوب الهوان، وهو الذي كان يسرح ويمرح في جامعة دمشق مزايداً في الشرف والفضيلة، محاضراً في الالتزام والانبطاح وقلت: إن العاهرة تزايد وتحاضر في الفضيلة، فأية معارضة عنوانها السفاهة وقلة الأدب، أية معارضة تمتهن الكذب وتعمل على التخريب والتآمر! أية معارضة التي تقتل الأبرياء وتحتمي بالعدو الصهيوني؟ خجل الخجل منكم أيها البلهاء، تذكروا جيداً أن الخائن والعميل لن يكون إلا ساقطاً عند الآخرين، وسيرمى على مزابل التاريخ عند انتهاء الصلاحية، واعلموا أن سورية انتصرت على الرغم من أنوف العملاء والمعتدين والحاقدين وأن شعبها وأرضها يرددان وبكل فخر حماة الديار عليكم سلام.

د. مبارك سعيد

 

 

تصفح المزيد..
آخر الأخبار