العدد: 9349
الأحد-19-5-2019
التقت الشّلّالات والأنهار والجداول في حُفرةٍ عميقةٍ سمّاها الزوار(بحيرة)، وراح كُلّ جدولٍ ونهرٍ ينسبها لنفسه دون غيرهِ عدا الشّلّالات، ولتواضعها فلا يمكنها الصُّعودَ والعودة.
كثر الخلاف واحتد حول الأحقيَّة، فيما البحيرة مازالت تتماوج بثوبها المائيِّ على الرُّغم من الضجَّيج والخرير.
ازداد الغضب ارتفاعاً، وطافت المياهُ المزارعَ والحقولَ وحتَّى أنَّها استطالت نحو البحر القريب، والّذي بدوره ابتلعها بملوحته، فهجرها الجميع بعد أنْ غابت ملامحُ المكان.
نبعٌ ليس ببعيد، حاول مسرعاً التَّدفُّق على البحيرة لاصطياد الملوحة، ومن ثُمَّ مَلْء ما يستطيع من مياهٍ عذبةٍ تأتي بالاخضرار والتَّفتُّح والتَّغريد ورجع الصَّدى، بل واصطحاب الغيوم كلَّما دعت الحاجة.
ولأسباب مقلقةٍ، أغلقتْ حجارةٌ كبيرةٌ باب النَّبع، وقيل أيضاً بأنَّ الأنهار والجداول قد استعجلت دروبها الجديدة.
أمَّا البحيرة فقد وقفت على جدران البحر تتأمَّلْ المدَّ والجزر، آمِلَاً أنْ يكون البحرُ حلواً، فثّمة ما هو عذبٌ ينهضُ من بين أمواجه، وربَّما ياسمينةٌ تعرّش فوق كُلّ موجةٍ لا تراها العينُ بل القلب، هي كالأشجار والجبال، فالأشجار تفجِّرُ ينابيعها الصّغيرة داخل كلّ ثمرةٍ من ثمارها، والجبال تنسج الثّلجَ لتتنهّد السهول بالبياض والنّقاء، فمنارات السُّفن لم تعد تتوزع على اليابسة، والذُّرى العالية لم تعد مأوى للهاربين من الحطّابين ونيرانهم، وإنما كُلٌّ يواجه بعضه، مثل الشُّروق الّذي يواجه الظُّلمة، بل ولمن وزّع عمره على مساحات الأقانيم، كقوس قُزحٍ يرسم ألوانه كُلّما أراد للمطر أن يسقط، وكلّما أراد الشّلّال أن يمشّط ماءَه كصبيّةٍ يسافر المشطُ على شعرها كُلّ صباح.
وهكذا يبقى ياسمين البحر رفرفةً للأجنحة، ونهوضاً لكلّ من يمدَّ يده مهما اشتدّ الخلافُ وتصاعد الغضب.
سمير عوض