الاغتيـــال الســـياسي في القصـــّة القصـــــــيرة..

العدد: 9348

16-5-2019

 

ضمن النشاطات الثقافية لاتحاد الكتاب العرب باللاذقية ألقى الدكتور والناقد المسرحي حمدي موصللي محاضرة حملت عنوان: الاغتيال السياسي في القصة القصيرة، وذلك في صالة الجولان بمقر الاتحاد.
د. موصللي عضو اتحاد الكّتاب العرب، حصل على جوائز سورية، وعربية وقُدمت أعماله على أغلب مسارح الوطن العربي، له مؤلفات في النقد المسرحي وهو عضو لجان تحكيم دولية وعربية، يكتب ويخرج لمسرح الطفل كما ترجمت بعض أعماله للغتين الروسية والفرنسية . . . سنلقي الضوء في مادتنا اليوم على أهم المحاور الرئيسية في هذه المحاضرة حيث أشار د. موصللي بداية إلى أن الاغتيال عُدّ ظاهرة تاريخية ارتبطت بالمجتمعات البشرية منذ القدم فهو مصطلح يستعمل لوصف عملية قتل منظمة ومعتمدة تستهدف شخصية مهمة ذات تأثير فكري أو سياسي أو عسكري أو قيادي ويكون مرتكز عملية الاغتيال عادة أسباباً عقائدية أو سياسية أو اقتصادية أو انتقامية تستهدف شخصاً معيناً يعدّه منظمو عملية الاغتيال عائقاً لهم في طريق انتشار أوسع لأفكارهم ومما يزيد في محاولة وضع تعريف دقيق لعملية الاغتيال تعقيداً هو أن بعض عمليات الاغتيال قد تكون أسبابها ودوافعها اضطرابات نفسية للشخص القائم بمحاولة الاغتيال وليس سبباً عقائدياً أو سياسياً ثم استعرض المحاضر نماذج من الاغتيالات السياسية في التاريخ الإنساني وتحدث د. موصللي عن الاغتيالات في الديانات السماوية قائلاً: رغم احتوائها على قصص وحوادث قتل كثيرة أمكنني التوقف عند أهم اغتيال سياسي منظم ومحبوك بعناية فائقة قلّ مثيله عبر التاريخ القديم وحتى هذا اليوم عبر قصة استير اليهودية الجميلة كذلك التاريخ العربي الإسلامي الذي يزخر بحوادث الاغتيالات التي لم تكن وقفاً على الملوك والسلاطين بل طالت علماء الفقه والاجتهاد والشعراء ولنا بالحلاج شهيد العرفان وأسطورة العشق الإلهي في محاكمته ومن ثم قتله بطريقة غريبة..
مراحل نشأة القصة السورية وتطورها
تحدث د. موصللي في هذا المحور عن المراحل الثلاثة كنشأة القصة القصيرة وتطورها بهدف الوصول إلى المرحلة التي ينتمي إليها القاص زهير جبور وهي الفترة الثانية من المرحلة الثانية وتمتد بين (1985-1965م) وهي فترة التمايز واستقرار البناء الفني وقد جّرب كتّاب هذه المرحلة الكثير من التقنيات والأنماط والعناصر مع مقدرة هائلة في نقل نبض الإنسان السوري والعربي من حيث مشاعره وآلامه وأحلامه وآماله وبخاصة بعد نكسة حزيران 1967 وما يميز هذه المرحلة أيضاً الشاغل القومي والوطني وانحسار الشاغل الاجتماعي والاقتصادي . . كل هذا للوقوف عند (قصة المهمة) وهي القصة الخامسة في الترتيب العام من قصص المجموعة المكونة والمؤلفة من ست عشرة قصة قصيرة وقد عنونت تحت اسم (الأزرار) للكاتب القاص زهير جبور- إصدارات اتحاد الكتاب العرب بدمشق- لنرى حقيقة كيف تمت معالجة د. موصللي لها حيث تمت قراءتها بشكل سينوغراف (الحدث، الأداة، المكان، الزمان، الأدوات المساعدة، الأدوات الثانوية) من جانب آخر طرح د. موصللي جملة من التساؤلات منها:
هل اعتبر الاغتيال السياسي شاغلاً من شواغل القصة العربية مثل أي شاغل آخر تم التطرق إليه؟ أم أنه مجرد عابر اقتضى مروره بلا معنى؟ وقال المحاضر: إن الإجابة عن هذه التساؤلات تتطلب معرفة الأسباب التي أدت لذلك وقد أوجزها بما يلي:
لم يكن الاغتيال السياسي يشكل شاغلاً من شواغل مبدعات الفنون العربية مثل: الشواغل القومية والوطنية والاقتصادية والاجتماعية كما أن مجرد الحديث والبحث في إشكاليات الاغتيال السياسي تتطلب الجرأة في التصدي لها أولاً وهذا غير ممكن في ظل عقل عربي محاصر إضافةً أن مثل هذه الأمور التي ذكرت لم تعد موجودة لدى الشعوب التي تشبهنا في سلم التصنيف العالمي كدول نامية والتي قطعت أشواطاً على طريق التنمية مثل دول أمريكا الجنوبية أو مثل العديد من دول شرق آسيا فأغلب مبدعيهم أثروا عموم الفن والآداب في بلادهم فواكبوا صيرورة التاريخ وتصدوا إلى عيوب مجتمعاتهم من فساد وجريمة وأمراض وفقر وقهر وتسلط . . . كما أن الاغتيال السياسي في مبدعات الفنون العربية لم يبلغ المرجو منه . . .
قصة (المهمة) للقاص زهير جبور
ضمن هذا السياق قرأ د. موصللي القصة بعيداً عن القراءة النقدية المتعارف عليها من حيث البناء الفني والأسلوب واللغة والشخصيات وغير ذلك، بل من خلال رؤىً تعتمد على سينوغراف الحدث أو ما يعرف بجملة أو منظومة الأدوات المشكلة للحدث الرئيسي ومن خلال التداعيات المستحضرة للذاكرة ومن خلال الإيقاع الدرامي لجملة الأفكار المرتبطة بأفعال الشخصيات ضمن النسيج العام للحدث الرئيسي، هذا وقد أوضح د. موصللي رأيه من خلال الرؤى التي قام باستعراضها مثل: سينوغراف الحدث والتكوين أي المكوان العام لمنظومة الأفكار والأفعال في مكان وخلال فترة زمنية محددة وبالوسائل والأدوات المتوفرة والمستخدمة من أحداث القصة ففي القصة (المهمة) نجد أن الطائرة المروحية سوف تمثل مكان الرئيسي في مجريات الحدث أما المؤثرات المساعدة والمكملة فهي: قصر- غرفة- مكتب- خزانة وأدوات ثانوية مثل: حركة- هبوط- صعود وبعد قراءته للقصة بشكل سينوغرافي ختم د. موصللي محاضرته بالآتي:
الاغتيال في قصة المهمة يأخذ طابعاً مركباً (حلقي التسلسل) بمعنى أن منظومة السينوغراف تشكل حلقات مغلقة الجوانب وشبه مستقلة في أحداثها وأفعالها وأدواتها ومرتبة ترتيباً متسلسلاً مما منحها نوعاً من الاستقلال الموضعي وفي قصة (المهمة) نلاحظ أن القاضي زهير جبور اتكأ على عنصري الحوار والتداعي المونولوج والديالوغ في كتابة نصه القصصي وبحرفنا مبتعداً عن السرد والوصف والإنشاء مستفيداً من حركة المفردة وسيمياء الإشارة لتأكيد الدلالة فيها وعنها بآن واحد وبهذا يكون قد صعد الإيقاع وأخرجه من وضع الرتابة إلى وضع التصعيد التدريجي الدرامي للحدث.

ندى كمال سلوم

تصفح المزيد..
آخر الأخبار