د. بسام جاموس: ســـــورية متحــــف بالــــهواء الطلـــق

العدد: 9348

16-5-2019

 

أرض الحضارات والأبجدية كانت موئل الإنسان الأول على هذا الكوكب، عاش وترك من أشعة الشمس ما خطته يداه وفكره، هي الأرض بدورانها عندما تكوّن الجباه بتلاوين الحياة وسورية بلد الشمس كان لأبنائها على مرّ العصور فكر حيّ نابض، ما زال يوشم فينا روح الحياة ونبض العقل الذي خطّ للبشرية خلاصة حضارة ورقيّ..
(مار مارون) موقع سوريّ أهميته من قيمته الفكرية والإنسانية التي تركها: وتدمرّ عديدٌ من السحب على أرض، لكن أثره ما زال باقياً ينير رؤىً قيّمة خضم زحمة مرور بشهري.
هذا الموقع الأثري بعد فترة منسيّة أقرّ على لائحة التراث العالمي، حول أهمية هذا الموقع وقيمته كان لنا حوار مع الباحث د. بسام جاموس وقال لنا: (مار مارون قدّيس وناسك وراهب عاش في منطقة شمال سورية وتحديداً في المنطقة اليوم مسجلة على لائحة التراث العالمي عام 2011 وتسمى المدن المنسيّة -المدن المتألقة في الذاكرة- والممتدة بين محافظتي إدلب وحلب عاش الراهب مار مارون في القرن الرابع الميلادي وهو من الشخصيات السورية السريانيّة المارونية الهامة كما يذكره المؤرخون، تعني كلمة مار مارون سيد السادة ويؤكد المؤرخون على دوره في نشر المسيحية في شمال سورية، وفعلاً إن المنطقة التي ذكرناها مسجلة على لائحة التراث يوجد فيها حوالي 800 كنيسة ومن اشهر مواقعها: براد، برج حيدر، سرحيلا، البارة، جبل سمعان والكاتدرائية قلب لوزة، أصبحت براد محجاً مسيحياً ومن أهم مراكز الاستقطاب السياحي الوجود ضريح مار مارون فيها.

* ونحن في الأيام العالمية للتراث، دير مار مارون وغيره من الآثار السورية الهامة، لماذا تترك بهذا الشكل المنسي؟

** الأزمة كان لها دورٌ سلبيٌ ليس قطاع الآثار فحسب بل شملت جميع تفاصيل حياتنا تطورات الأحداث المؤلمة والمبرمجة على بلدنا الحبيب فأسهم ذلك في تعرض التراث والمخزون الثقافي للخطر من قبل العصابات الإرهابية وحلفائهم وتجار ولصوص الآثار: حفريات سرية -تهريب الآثار والإتجار بها- تخريب وتهديم المواقع والمدن الأثرية وهذا ما حدث في العراق وفلسطين والجولان من تدمير ذاكرة الشعوب من قبل أمريكا وإسرائيل وحلفائهم مخالفين كل المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي تنص على حماية التراث وعدم المساس به أثناء الاحتلال والنزاع المسلح وهذا يتطلب من جميع حملات التوعية والتعاون بين الجميع سلطات ومؤسسات ومجتمع محلي ومنظمات التواصل مع الجهات العلمية المحلية والدولية والتنسيق معها دور المؤسسات بدون استثناء، آملين تضافر الجهود لإعادة ألق الحياة لها.
* الأثريون الأجانب هم من يعملون على استنباط وكشف هذه الأثار السورية العريقة، أين الجهود السورية من هذا؟
** هناك اتفاقيات ثقافية تنص للعمل المشترك لكن في تسعينيات القرن الماضي كان عدد البعثات الأثرية السورية قليلة جداً، لكن بعد عام 2000 أصبح عددها يضاهي عدد البعثات الأجنبية لكن ما زال هناك خطر في تأريخ وكتابة التاريخ من قبلهم وذلك لندرة علماء اللغات القديمة في البلدان العربية وهذا ما أدى إلى التحريف والتزوير للحقائق التاريخية رغم وجود لجان لإعادة كتابة التاريخ العربي، هناك علماء أجانب كانت لهم أدوار إيجابية كبيرة ممن كتبوا بعلمية ومنهجية حول تاريخ سورية ومنهم من باع نفسه للشهرة ثم تراجعوا عن آرائهم والأهم آن الأوان لقراءة تاريخنا بأنفسنا وتدوينه وحالياً تعمل بعثات أثرية سورية في معظم المحافظات؟
* تشكّل الآثار أحد أهم المصادر في الاقتصاد السياحي، لماذا برأيك نقوم بإهمال هذا الجانب الاقتصادي الهام؟
** الأهمية الاقتصادية للآثار وكما قلنا مراراً وتكراراً أن الآثار هي البديلة للنفط لأن أهمية الآثار تسهم في الاقتصاد الوطني من جهة وتوفر فرص العمل للشباب كما تدعم المجتمع، فإلى جانب الأهمية الاقتصادية للمخزون الثقافي والتراث الحضاري هناك أهمية اجتماعية تكمن في الدور الذي تلعبه في تكوين الهوية، وتعريف المواطنين بتاريخ وحضارة وقيم الآباء والأجداد وإبداعاتهم وإسهاماتهم العلمية والفكرية على مر العصور، كما تغرس القيم الوطنية وتعزز الانتماء للوطن والتلاحم، لأن التاريخ والآثار هي مرأة الشعوب ومقياس حضارتهم، فعلينا الحفاظ عليها كما أنه إلى جانب الأهمية الاقتصادية هناك الأهمية السياحية لأن السياحة الثقافية والشعبية والدينية تشكل مصدراً هاماً للدخل وهو أيضاً مصدر حيوي للمجتمعات وتنشط الحركة الاقتصادية والاجتماعية، لكن هذا الجانب مهمل من قبلنا والسبب يعود إلى عدم التعاون المؤسساتي، وهذا يحتاج إلى تعاون المؤسسات الثقافية والإعلامية والسياحية ومعظم دول العالم وخاصة العربية تعتمد على الاقتصاد السياحي، هناك نقص في العشرات بل المئات من الأوابد والمواقع الأثرية تفوق أهمية وسمعة دولية وعلمية المواقع العربية، فهذا يحتاج إلى تضافر جهود ومؤسسات مجتمعية محلية ومنظمات أيضاً دولية للوصول إلى الهدف المنشود لأن التراث سيساهم مساهمة كبيرة وفعالة في دعم اقتصاد المجتمعات والبلدان.
* تمت سرقة ممنهجة ومدروسة لسرقة الآثار في هذه الحرب الشرسة، ما هو دوركم في محاولة إعادتها؟
** الحرب الآن هي حرب ثقافية فكرية، والجميع يعلم أن الكيان الإسرائيلي خلف كل المعاهدات والاتفاقيات الدولية في فلسطين والجولان، ويقوم بتزييف وتزوير التاريخ، وهدم ممنهج للتراث والمخزون العربي على مرأى الجميع، وقد خلف جميع هذه المعاهدات الاتفاقيات الدولية وخاصة معاهدة لاهاي عام 1954م التي تنصّ على عدم المساس بالمخزون الثقافي أثناء النزاع المسلح ضارباً عرض الحائط
كل هذه الاتفاقيات وكما يعلم الجميع أثناء الاحتلال الأميركي للعراق قامت الجيوش الأميركية بالتعاون مع العصابات الإرهابية بالدخول مباشرة إلى المتاحف فعملت على سرقة المتاحف وتهريب القطع الأثرية إلى الخارج والهدف من ذلك محو وطمس ذاكرة الشعوب وهو ما يحدث في سورية وخاصة في ظل هذه الأزمة، هناك عملية مبرمجة تقوم بها العصابات الإرهابية بتوجيه من بعض الدول وخاصة على رأسها الولايات المتحدة الأميركية والكيان الصهيوني وحلفاؤها ويقومون أيضاً بتهديم المواقع والمدن التراثية السورية والإتجار بالآثار وتهريبها، لكن وزارة الثقافة ومديرية الآثار والمتاحف وبعض المراكز العالمية تسعى جاهدةً بالتعاون مع بعضها البعض لوضع خطط استراتيجية لإعادة ألق الحياة إلى بعض المواقع الأثرية وبدأوا بإعادة الحياة إلى قلعة الحصن وكذلك بعض المواقع في ريف دمشق وحلب وإعادة ترميم هذه المواقع بعد الانتهاء من هذه الأزمة إن شاء الله، وخاصة بعد إحراز النصر الذي قام به جيشنا العربي السوري البطل على العصابات الإرهابية المسلحة التي قامت فعلاً بتدمير للتراث، لكن همة هذا الوطن بأبطاله ستُزيل كل الأحقاد وما خرّبته.
* من موقعكم، ما هي الخطط الحديثة الموضوعة للمحافظة على تراثنا الغني؟
هناك خطوات تقوم بها وزارة الثقافة ومديرية الآثار والمتاحف محلياً بالتعاون مع المنظمات الدولية اليونيسكو وغيرها إضافة إلى المراكز العلمية العالمية وعلماء الآثار الذين يعملون في سورية، هناك خطط مبرمجة من أشهرها مؤتمرات وندوات تهدف إلى التوعية وتحسين أداء العاملين وكيفية توثيق الآثار من المواقع والأوابد التاريخية والحفاظ عليها أثناء النزاع المسلح وهناك أيضاً فواصل تواصل وتضافر للجهود بين هذه المؤسسات من أجل وضع خطط لترميم هذه المواقع الأثرية وإعادة القطع الأثرية التي هربت، كما نصّت عليها الاتفاقيات الثقافية الموقعة بين سورية والدول الأخرى وهناك دورات شهرية وفصلية تقوم بها مديرية الآثار في سورية وبعض الدول العربية وبمساهمة علماء أجانب تهدف هذه الجلسات والندوات إلى الحفاظ على التراث لأن التراث ليس ملكاً لدولة معينة إنما هو ملك للبشرية جمعاء والهدف المنشود وهذه الخطة الموضوعة من قبل وزارة الثقافة والمديرية العامة للآثار والمتاحف في توعية الشعوب للحفاظ على هذه الآثار.
* في لمحة تعريفية موجزة، ما هي أهم المواقع الأثرية السورية؟
** يوجد في سورية أكثر من 10000 موقع أثري، وتعود هذه المواقع إلى فترات متعددة منها عصور ما قبل التاريخ حتى الفترة العربية الإسلامية بدون أي انقطاع، هذا أعطى أهمية استثنائية لسورية وتُقسم إلى عدة أقسام فهناك مواقع تعود إلى عصور ما قبل التاريخ منها (مواقع نهر الكبير الشمالي- ستمرخو- الخليلي- الشير- الجريمقية- روضو- بكسا- بسنادا- ريف القرداحة- سهل جبلة- موقعي اللطامنة والقرامشة على نهر العاصي-حوض البادية التدمرية وحوض تدمر).
هذه المواقع تعود إلى مليون عام خلت وطبعاً حيث عثرت البعثات على فؤوس حجرية تعتبر أقدم الأدوات خارج القارة الإفريقية حيث سكن على ضفاف نهر الكبير الشمالي إنسان (الهرترهود) منتصب القامة منذ مليون عام خلت هذه القرية تبعد عن مدينة اللاذقية 15 كم، أيضاً موقعا اللطامنة والقرامشة على نهر العاصي في حماة عثر فيهما على أرضية سكن لهذا الإنسان وأيضاً في مواقع حوض البادية التدمرية (بئر الهمة- حوض الكوم- جرف العجلي- الندوية).
عثر فيها على أدوات تعود إلى مليون عام خلت هذا إضافة إلى مواقع تعود إلى فترة عثور البرونز وهي بالآلاف، من أشهر المواقع المحلية والعربية والدولية مملكة ماري على الفرات الأوسط في محافظة دير الزور حيث قدمت لنا أضخم مكتبة في العالم فيها 20000 ألف رقيّم مسماري تعمّقت معرفتنا بالتاريخ الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والديني والفني لمجتمع بلاد الشام ومجتمعات بلاد الرافدين، ولدينا أيضاً مملكة (إيبلا) وقدمت أيضاً أضخم مكتبة في العالم 17000 رقيّم مسماري تضمّنت أيضاً الجوانب السياسية والاقتصادية والفكرية العلمية والدينية، إضافة إلى القصور والمعابد يضاف إليهم موقع هام (مملكة أوغاريت) على الساحل السوري تعود إلى القرن الرابع عشر وهي التي قدمت أقدم ألف بائية في العالم، إضافة إلى النوطة الموسيقية والأرشيف الكتابي وهناك (مملكة تل بيدر نابادا) في الحسكة وأيضاً مواقع لا تعد ولا تحصى وخاصة في موقع مملكة قطنا في حمص الواقع شرق مدينة حمص على بعد 20 كم عثرنا على مملكة شهيرة محاطة بسور ضخم يشبه سور مملكة إيبلا، وأيضاً لدينا مواقع تعود إلى الفترات الكلاسيكية ولدينا مدن هامة جداً تراثية وسياحية كمملكة تدمر- مدينة أفاميا- مدينة بصرى- مدينة اللاذقية القديمة- مدينة طرطوس القديمة- أرواد- عمريت- شهبا- قنوات.
إضافة إلى المواقع العربية الإسلامية، يعني بالمجمل سورية متحف في الهواء الطلق.
كما اشتهرت سورية بالقلاع الكثيرة كقلعة صلاح الدين الأيوبي وقلعة الحصن وقلعة المرقب وتل فخر الدين المعين الثاني، هذه القلاع الكثيرة العدد التي ما زالت باقية شاهدة يُضاف إليها المساجد والجوامع كالجامع الأموي في دمشق وحلب ولدينا موقع الأندرين ومدينة هارون الرشيد في الرقة الذي أشهر سورية بأنها أعطت هدايا حضارية للبشرية منها الزراعة والأبجدية للكتابة والفنون والموسيقا والفلسفة والفكر القانوني وخاصة التعرفة الجمركية التدمرية، كما أعطت الأدب والأساطير والمثيولوجية وعلوم الرياضيات والفلك.
* ما هي المواقع السورية المسجلة على لائحة التراث العالمي؟
* في سورية سبعة مواقع مسجلة على لائحة التراث العالمي هي: (دمشق- حلب- بصرى- تدمر- المدن المنسية أي المدن المتألقة بالذاكرة بين إدلب وحلب نذكر منها موقع دير مار مارون وقلعة سمعان العامودي وكنيسة قلب لوزة و800 كنيسة) إضافة إلى مئات القرى الأثرية المتناثرة في هذه المناطق وقلعتي صلاح الدين الأيوبي وقلعة الحصن وأقول في النهاية كما قال العالم الفرنسي (أندريه بارو): (لكل إنسان وطنان، الوطن الأصلي وسورية).
وهناك مقولة للعالم الأثري الأميركي هافي وايس قال: (لمعرفة تاريخ الكون ينبغي أن نعرف تاريخ سورية أولاً).

سلمى حلوم

تصفح المزيد..
آخر الأخبار