الثقافة القانونيّة في المجتمع

الوحدة : 15-5-2023

لم تكن القوانين التي سنّها الملك حمورابي قبل أكثر من 3700 سنة من الآن، هي أول وثيقة دستورية في العالم توضح مفهوم القوانين والجزاء والتشريع، كما كان شائعاً ومعروفاً لدى الكثيرين، بل أكدت أبحاث ودراسات تاريخية عدة أن قانون مملكة إشنونة الذي عثر عليه في تل حرمل هو أقدم القوانين التي جاءتنا من العراق القديم، حيث يعود هذا القانون إلى الملك السومري لبت عشتار.

وقد أزاح هذا الاكتشاف الستار عن حقيقة تاريخية مهمة ظلّت مجهولة فترة طويلة من الزمن.

رافقت الحاجة إلى التنظيم والقوانين الإنسان منذ البداية، فالإنسان كما يرى الفيلسوف (أرسطو) كائن اجتماعي بطبعه، لا يستطيع أن يعيش منعزلاً عن الناس، بل لابدّ له من العيش في جماعة، وهو ما أطلق عليه أرسطو اسم المدنية، ومما لاشكّ فيه أن النظم الاجتماعية والقواعد تتفاوت باختلاف درجة المدنية لتلك الجماعة، لكن لا فرق بين مجتمع وآخر في ضرورة قيامه على نظام ما، فحيثما وجد المجتمع وجد التنظيم، ولهذا كان لابدّ من وضع قواعد تضبط نشاط الفرد في الجماعة بشكل يتحقق معه السلم الاجتماعي والتطوير، فكانت القوانين.

لا تختلف وجهات النظر في أهمية القوانين وضرورتها وضرورة تنظيمها لمختلف جوانب الحياة، لكن السؤال الأهم الذي يجب أن يثار هو ما مدى معرفة المجتمع ووعيه بتلك القوانين وإدراكه تفاصيلها وفهمه لها، ومقدار استشعاره لأثرها في الحياة اليومية العملية.

تتفاوت درجة الوعي والمعرفة بين أفراد المجتمع باختلاف التحصيل العلمي والثقافة والتربية فيما بينهم، هذا أمر موجود في كل مكان، لكن ذلك لا يشفع لهم جهلهم بالقانون، كما تقول القاعدة القانونية الشهيرة (لا جهل بالقانون).

فكما يتعلم الناس في مجتمعنا القواعد الاجتماعية المتعددة ويمارسونها طقوساً شبه يومية، وكما يتناقلون المعلومات المتنوعة المجالات ويتنافسون في صحتها، إنّ معرفة التشريعات وفهمها أمر بالغة الأهمية واللزوم، فهذه القواعد هي أساس جميع تصرفاتهم اليومية التي يقومون بها، مهما كانت بسيطة.

كما أن القانون لم يعد علماً مغلقاً وحكراً على رجال القانون من قضاة ومحامين فقط، إنما أضحى – كما ذكرنا – ملتصقاً بسلوكيات المواطن اليومية ومنظماً ورقيباً على تصرفاته.

يفتقر مجتمعنا لما يسمى (المعرفة القانونية) بكل مقاييسها، ويعود سبب هذا العوز لأسباب كثيرة تختلف درجة أهميتها وتأثيرها، لكنها في النهاية تسلك درباً واحداً وتفضي لنتيجة واحدة.

نبدأ من الشتات الفكري المجتمعي، الذي يعبث باهتمامات العقول ويجعل الناس بالتالي غير مدركين لأكثر الأشياء بديهية وأهمية، وفاقدين الترتيب الصحيح لسلّم الأولويات فنجد الأفراد بالإضافة لعدم معرفتهم وعدم رغبتهم بالمعرفة ليسوا مكترثين لأي قدرٍ من الضرورة والأهمية للأفكار والمعلومات الغائبة عن إدراكهم.

بالمحصلة، يغيب الفكر والإلمام القانوني عن الشارع السوري بطريقة مؤسفة ونحن هنا بهذا القول لا نتحدث عن أمر عادي أو ثانوي، بل عن ركيزة أساسية وحجر أساس في بناء وتكوين الحضارات والمدن وتطوير أسلوب العيش.

قد يظن البعض من قرأ هذا الكلام أن الموضوع مبالغ فيه إلى حد كبير، فإن خطر ببالكم هذا التساؤل، فليفكر للحظة ويجيب: هل تعلم ما هو عدد مواد الدستور السوري؟

التشريعات والدساتير والقوانين لبنة لأي مجتمع متطور، فلم يُمضِ أسلافنا حياتهم دارسين وباحثين في وضع النصوص القانونية والتشريعات لتنظيم المجتمعات وتقويمها وتحسينها، لنأتي نحن وننسف كل ذاك الجهد ونرمي كل تلك السنوات من البحث وراءنا بكل بساطة.

 

 هديل ميهوب

تصفح المزيد..
آخر الأخبار