“أنيسة عبود وسيمياء السرد” محاضرة للأديب محمد جدوع في دار الأسد للثقافة باللاذقية

الوحدة : 14-5-2023

وسط حضور مصغٍ ومحبٍّ للمشهد الثقافي والأدبي، وضمن نشاطات اتحاد الكتّاب العرب بالرقة وبالتعاون مع مديرية الثقافة ودار الأسد للثقافة في اللاذقية، ألقى الأديب الباحث محمد جدوع محاضرة قيّمة تستحق كل الشكر والاهتمام بعنوان: “أنيسة عبود وسيمياء السرد” وذلك في قاعة النشاطات في دار الأسد للثقافة.

بدايةً ألقى الأستاذ منير الحافظ أمين سر اتحاد كتاب الرقة كلمةً رحبّ فيها بكل من الحضور وبالأديبة الكبيرة السيدة أنيسة عبود التي ساهمت في العديد من فعاليات الرقة الثقافية وبالأديب الأستاذ محمد جدوع الذي حمل في كل زفرةٍ من أنفاسه عبق الرقة الحبيبة مشيراً إلى بعض مؤلفاته: عبادلة الترجمة، كنعانيا، التاريخ والعجيلي، القميص..

ونستعرض فيما يلي أهم ما جاء في هذه المحاضرة من محاور، حيث استّهل الأديب محمد جدوع محاضرته قائلاً: بعيداً عن قوقعة النقد التنظيري، الذي يتمترس بمقولات أساطين النقد، من هذا المنهج أو ذاك ونأياً عن الإطراءت المجانية والنقد التبجيلي، وتجنباً للمناهج التي تنصّب الناقد قاضياً لا يرد له قرار، وانطلاقاً من مقولة: (إن أفضل من يكتب عن النص، هو النص ذاته) وانطلاقاً من رأي الدكتور (عبد الوهاب المسيري) القائل: من أن أفضل نقد للنص ليس شرحه، وإنما استنطاقه بمعنى بدل أن نشرح النص نلجأ إلى عملية (الاستنطاق التي تتيح للنص تقديم نفسه بنفسه لأنها.. تحل كثيراً من المشكلات التي تواجه الناقد الذي يود اكتشاف مضمون النص دونما تجاهل خصوصية) من هذا المنطلق تبنى القراءة /الدراسة أسسها التي ستتعامل مع القصائد ونصوصها.

أما الشاعرة، فالقراءة لا ترى تعريفاً لها سوى الكلمة الفرنسية lagriculture التي تعني الزراعة وإذا حذفنا المقطع agr يصبح معنى الكلمة الوليدة  culture ثقافة / أدب وهو ما ينطبق على الشاعرة / الكاتبة فهي مهندسة زراعية أولاً، وروائية وشاعرة ثانياً.

وبهذا تكون الشاعرة حازت على الصفتين معاً- الزراعة والثقافة- وهو ما عبّرت عن ذلك في مقطوعتها (تمتمات) عن أصولها القروية تقول:

لا يغرنك ..فستاني الشيفون القصير

أنا فلاحة من قلب شجرة سنديان

قطعتني أمي

ورمت بي في الحقول

كزهرة مقطوعة من حجر

وعن جمالية المعنى أضاف الأديب: جمالية المعنى وذلك من خلال النأي عن اللغة المتخشبة التي فقدت قابلية استعمالها في المنطوق المعاصر إضافة إلى ذلك الابتعاد عن المعاني النشاز والحروف المتنافرة فعندما نقول: هذه (ديمة، فرنة، بعقة) مع أن الأخيرة تشير إلى ذات المعنى، إلا أنها تبقى عصّية اللفظ وبخاصة للسمع، وهذا ما يميز صياغة الشاعرة لأسلوبها، من خلال استعمال مفردات بسيطة ومتداولة، وذلك بتزاوج الحروف الصائتة مع الحروف الصامتة والهامسة مما يخلق للكلمة سحراً وللعبارة ادهاشاً، وقد شرح المحاضر (جدوع) السمات الشعرية لأسلوب الشاعرة (عبود) الذي صاغت فيه قصائدها مشيراً أنه لا يمكن الإحاطة في جميع الملامح الأساسية ولكن يمكن اختصارها بما يلي : فالشعر القصصي عندها نابع من الإحساس الداخلي الذي يرسم الصور ويحدد علة وانخفاض الصوت حسب الحالة النفسية، وتعدد الصور حسب الموضوع (الثيم) التي يود الشاعر رسمها من خلال خيال إلهامي جمالي ونلمس ازدحام الرموز وتعدد الدلالات حيث تقرأ قراءات مختلفة حسب تأويل المتلقي لها ففي قصيدة (كان يوماً)  تتكاثف الرموز والدلالات والإيحاءات:

كان يوماً قاسياً

لم ينم الوقت

من شدة البرد

ماتت عشرة قصائد في الطريق

ومات عصفور فمه صباح مجمد

وعن الإلهام الداخلي أضاف المحاضر أن من يتابع قصائد الشاعرة يدرك أن فكرة القصيدة تداهمها ودون استئذان عكس (حمى المتنبي) التي تزوره في الظلام. أما الشاعرة فتشكو من قصيدتها التي تداهمها مباغتة إياها:

يبدو سأتشاجر

مع القصيدة غداً

وأصبر عليها لأنها ضيفتي

ولكنها لا تلتزم بقواعد الضيف المهذب اللطيف

وعن أنسنة الأشياء قال: في قدرة ومكنة أسلوبية مقتدرة تؤنسن الأشياء الشتى من خلال خلع الصفات الإنسانية عليها فالقصيدة تتكلم وتخاطب الشاعرة وكذلك البحر والنهر والعطر وكل الجمادات.

التحول والتحويل ففي معظم القصائد التي تكتبها يتآخى.

اللا واقعي ويتحول اللامحسوس إلى محسوس والعكس صحيح وذلك عبر خيال وهاج وجامح ليولد مزيجاً متآلفاً بين المجسد واللامجسد وبين الواقعي واللا واقعي (absurd) والإنساني بالجمادى، وأوضح المحاضر أن الشاعرة في قصائدها تتقارب وتتقاطع مع الكثير من الشعراء الشعر النثري ليس في سورية والوطن العربي فحسب وإنما مع شعراء عالميين لهم السبق في مجال النثر الشعري وربما قائل يقول: ألهذه الدرجة تتقارب الشاعرة مع شعراء عالميين ؟ نؤكد أن نعم وهو ما عبر عنه الشاعر عبد الباسط الصوفي بقوله: (لا.. لسنا بأقل موهبة من بودلير، أو رامبو أو مالارميه ولكن ينقصنا المناخ الإنساني، كما أن الشاعر الألماني غوته يعترف بذلك بقوله: (اعترف بأن شعراء الشرق أعظم منا نحن شعراء الغرب).

كما تحدث المحاضر عن الشاعرة والتاريخ قائلاً: استغلت الشاعرة وبمهارة ذكية تشابه اسم قريتها (قريطو) و ( قرطاج) وكلاهما يعنيان بالآرامية (قرية)، فإذا كانت (أليسار) أشادت قرطاج بعد ما توفي زوجها من جلد ثور – حسب الأسطورة – لتوسعها كذلك الشاعرة بعد ما رحل زوجها رحلته النهائية بنت مدينتها الإبداعية من روايات ودواوين شعرية، قصص ، مئات  المشاركات والمقالات، وبهذا نسجت النسب التاريخي بين (قريطو وقرطاج) وذلك في قصيدة: شرقية وغربية، وختم المحاضر حديثه بالقول: إن الشاعرة بشعرها النثري الرمزي باستحضاراته التاريخية والأسطورية حيناً وبالدلالات الرمزية تسعى إلى نفح مواقد الإشعاع في النفس الإنسانية عبر التخفي حيناً، وعدم الظهور والاختباء وراء الإيحاءات الصامتة حيناً والمتخيلة حيناً آخر عبر صياغة أسلوبية ماتعة، تمنح النص جمالاً موسيقياً آخاذاً وتمنح المتلقي لذة وتغذي عقله فكراً من خلال الاستمتاع بجمالية المبنى ودلالة المعنى.

ندى كمال سلوم

تصفح المزيد..
آخر الأخبار